قصور مراكش التاريخية
تزخر مراكش بكثرة المعالم التاريخية التي تشتهر بها، وإلى جانب المساجد والحدائق ذات العراقة والتي لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، تبرز القصور كأهم مكونات التراث المعماري في المدينة الحمراء، حيث تحمل قيمة تاريخية كبيرة على مستوى النسيج العمراني للمدينة، وقد دفعت هذه الأهمية الجهات المعنية إلى إدراجها ضمن برنامج المحافظة على المآثر التاريخية، بهدف دمجها في دورة الاقتصاد الثقافي والسياحي، في هذا المقال سنتحدث حول أهم ثلاثة قصور موجودة بمدينة النخيل.
قصر البديع
يعتبر أحد المعالم التاريخية البارزة في المغرب عموما ومراكش خصوصا، يتواجد قصر البديع في الجانب الشمالي الشرقي بمراكش، ويتميز بتوزيع متناسق للبنايات حول ساحة مستطيلة الشكل، بناه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي في عام 1578م بعد توليه الحكم وانتصاره السعديين في معركة الملوك الثلاثة، وقد تم تمويل بنائه من الفدية الضخمة التي دفعها البرتغاليون بعد هزيمتهم الساحقة.
أراد أحمد المنصور الذهبي أن يكون هذا القصر الفخم مكانا للاستقبالات، وتذكارا لنصره على البرتغاليين، وشاهدا على قوة الحضارة السعدية، كما فعل عبد المؤمن بن علي الكومي الموحدي مع مسجد الكتبية، فجعله مثالا بارزا على الفن المعماري المغربي التقليدي، إذ استعمل لتشييده وبنائه وتزيينه أمهر البنائيين والصناع والمهندسين المغاربة والأجانب لبنائه، بما في ذلك الإيطاليين، إذ تم توظيفهم لتنفيذ أعمال البناء والزخرفة ما جعله تحفة في الجمال وروعة في التصميم والزخرفة، وهو في العصر الحالي، معلمة تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
التسمية
يشير الاسم من جهة إلى جمال زخارفه ونقوشه، في حين يرجح بعض المؤرخين أن التسمية مشتقة من “لْبْديع” بمعنى “الخَزَف” في الدارجة، وذلك بسبب استخدام عناصر الزليج والخزف في زخارف القصر، فيما تذهب بعض الروايات إلى أن اسمه مأخوذ من اسم الله تعالى “البديع”.
مكوناته في مرحلة ازدهاره
حسب للأبحاث والروايات التاريخية، يتكون قصر البديع من العديد من القبب والمخازن والغرف المزخرفة، وقد كان الزجاج يحتل مكانة مهمة في الزخرفة المعمارية بالمغرب السعدي. بني القصر بعد انتصار أحمد المنصور في معركة وادي المخازن في عام 1578، وقد أراد المنصور بناء هذا القصر الفخم كمكان للاستقبالات، وليكون تذكاراً لنصره المبين.
كما يوجد به صهريج كبير في وسط الساحة بطول 90 مترا وعرض 20 مترا، إلى جانب أربعة صهاريج جانبية وأربع حدائق، يعتبر القصر مليئا بالزخارف والمواد الفاخرة مثل الرخام والتيجان والأعمدة المغطاة بأوراق الذهب والزليج الملون والخشب المنقوش والمصبوغ والجبس.
كان يضم أيضا حدائق مع نوافير وأحواض مائية وغرف عالية الجدران، بعضها كان مخصصا للاستقبالات الرسمية وبعضها للاستخدام الشخصي للسلطان، شملت بعض هذه الغرف قاعة الذهب وقاعة البلور وقاعة الخيزران.
تعرض قصر البديع للهدم في عام 1696 م، عندما استخدم المولى إسماعيل العناصر المزخرفة من القصر لتزيين بنايات عاصمته الجديدة مكناس، لكن الحكام الذين جاءوا بعد ذلك أعادوا بناء القصر وزينوه بالأساليب الجديدة في المعمار والزخارف الإسلامية.
أما اليوم، فلم يتبق منه سوى جزء من جدار السور، وتبلغ سماكته مترين فقط، بالإضافة إلى ميدان مع آثار صهريجين مائيين وحدائق، وجناح من الأجنحة مع عواميده، بالإضافة إلى بعض العناصر الزخرفية المصنوعة من الجبس والرخام.
قصر الباهية
تاريخ قصر الباهية
يعد قصر الباهية مثالا رائعا على الهندسة المعمارية المغربية، ويشتهر ببلاط الزليج الملون والحدائق المورقة والتفاصيل المعدة، بني في أواخر القرن التاسع عشر من قبل سي موسى، وهو أحد النبلاء المغاربة شغل منصب الوزير الأعظم للسلطان حسن الأول، وبعد وفاة سي موسى، ورث القصر ابنه بو أحمد الذي وسع القصر وأضاف إليه المزيد من الغرف والحدائق والساحات، وأطلق عليه اسم “باهية” الذي يعني “التألق” أو “البهاء”، وقد ظل القصر منزل بو أحمد وعائلته حتى الخمسينيات عندما اشترته الحكومة المغربية، واليوم، القصر مفتوح للجمهور ليكتشفوا حدائقه الداخلية المذهلة وغرفه المزخرفة.
الهندسة المعمارية لقصر الباهية
تم الاعتماد على القرميد الزليج الملون في بنائه وتبليطه، وهي قطع صغيرة من البلاط مقطعة إلى أشكال هندسية معقدة ومرتبة في أنماط متقنة، مما يخلق مؤثرات بصرية مذهلة على الأرضيات والجدران والسقوف، يتميز كذلك بالعديد من الساحات، لكل منها تصميمها وميزاتها الفريدة، تحيط بها الحدائق المورقة المليئة بأشجار البرتقال والياسمين والنباتات العطرية الأخرى، كما أن النوافير والمسابح تضيف إلى القصر جمالا ساحرا ومثيرا للغاية.
التصميم الداخلي لقصر الباهية
الديكورات الداخلية لقصر الباهية مذهلة بقدر تصميماته الخارجية، فهو يحتوي على عدة غرف، لكل منها تصميمها الفريد وغرضها الخاص، كالفناء الكبير، وهو ساحة ضخمة محاطة بالغرف والمعارض، يتوسطها مسبح كبير، وتزين جدرانها وأسقفها ببلاط الزليج المعقد والجص المنحوت، وغرف الحريم، وهي جناحات خاصة بزوجات بو أحمد ومحظياته، مزينة بالبلاط المزخرف والمنحوتات المعقدة، مما يقدم لمحة رائعة عن حياة النساء في القصر.
حدائق قصر الباهية
تعد الحدائق من أبرز معالم قصر الباهية، مقسمة إلى عدة ساحات، لكل منها تصميمها وميزاتها الفريدة، أهمها حديقتها الرئيسية وهي تتميز بنافورة مركزية وتحيط بها أشجار البرتقال والنباتات الأخرى، والحديقة الأندلسية، المصممة على طراز الحدائق الأندلسية التقليدية، وتضم مسبحا ومجموعة متنوعة من النباتات العطرية، كما أن أرضية هذه الحدائق مبلطة ومزينة بالمنحوتات.
قصر المنبهي
يعكس قصر المنبهي، والذي تحول إلى متحف، ويحتفظ بذاكرة غنية من تاريخ المدينة وشخصياتها، وهو يمثل نموذجا حيا للإبداع المغربي في مجال العمران والزخرفة، ويواصل جذب الزوار الذين يأتون لاكتشاف جماله وتاريخه العريق.
تاريخ قصر المنبهي
يتواجد قصر المنبهي في درب “عليليش” بحومة قاعة بناهيض، على مقربة من مدرسة بن يوسف العتيقة في عمق المدينة القديمة، وقد تم بناؤه في أواخر القرن التاسع عشر على يد المهدي المنبهي، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع لدى السلطان عبد العزيز (1894 – 1908)، وبعد تشييد القصر، أصبح مقر إقامة التهامي الكلاوي، باشا مراكش، لفترة معينة قبل أن ينتقل إلى مكان آخر.
بعد استقلال المغرب، تحولت ملكية القصر إلى الدولة المغربية، وفي عام 1960 أصبح أول مدرسة للبنات في مدينة مراكش، ورغم تعرضه للإهمال لفترة طويلة، أعادت مؤسسة عمر بنجلون الحياة إلى جدرانه عام 1997، ليصبح متحفا يعرف اليوم باسم متحف مراكش.
أسلوب المعمار لقصر المنبهي
يتميز قصر المنبهي بأسلوب معماري مغربي محض، تزينه الزخارف المغربية الأصيلة والتفاصيل الدقيقة في نقش الزليج والجبس والخشب، بني على مساحة 2000 متر مربع، ويضم أربع غرف تحيط بصحن كان مكشوفا ثم غطي خلال أعمال الترميم، تتوسط هذا الصحن ثريا كبيرة تزن 1200 كيلوغرام.
يضم القصر كذلك حماما تقليديا، وعدة مطابخ، واسطبلا.
متحف قصر المنبهي
باعتباره متحفا مراكش فهو يعرض تحفا تحتفي بذكرى الفروسية المغربية، مثل البندقية والسرج التقليديين المرصعين بخيوط ذهبية وفضية يعود تاريخ صنعهما لأواخر القرن التاسع عشر، إلى جانب العديد من المعروضات القيمة الأخرى المرفقة بورقات تعريفية تقدم نبذة تاريخية عنها وتفاصيل حول أجزائها وأصولها.
إن تحويل هذه القصور إلى وجهات سياحية يعزز من القيمة الاقتصادية للمدينة، ويتيح للزوار فرصة استكشاف تاريخ مراكش المعماري والثقافي الغني، ولعل تحول قصر المنبهي إلى متحف مراكش، أبرز مثال على الجهود المبذولة للحفاظ على هذه القصور وجعلها أماكن جذب سياحي، فهو يوضح كيفية إعادة الحياة إلى المباني التاريخية، مما يساهم في الحفاظ على التراث المعماري للمغرب وترسيخه في الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة.