مولاي ادريس زرهون بين عمق التاريخ وعتامة الحاضر
مولاي ادريس زرهون كانت هي القبلة الأولى لظهور أول دولة إسلامية بالمغرب، عرفت بدولة الأدارسة على عهد المولى إدريس الاول ، المؤسس ذا الاصول النبوية من نسل علي ابن ابي طالب وفاطمة الزهراء.
فبعد مستقره الأول بالموقع التاريخي المعروف الآن باسم وليلي وهو المدينة التي كانت موطن القبيلة الأمازيغية العريقة أوربة التي احتضنته، رأى إدريس الاول ان يشيد مكانا اكثر تحصينا من وليلي التي تقع في موقع مكشوف يصعب حمايتها، واختار لذلك الانزياح بضع كيلومترات الى الجبال ، وهكذا ظهرت مدينة زرهون الى الوجود.
مدينة زرهون حافظت الى الان على وعورة تضاريسها، فهي مباني شيدت على جبل، مما يفرض على زائرها أن يجيد المشي في المرتفعات و المنخفضات. ولن تنفع معها وسائل النقل الحديثة من سيارات وحتى دراجات نارية. وسيلة النقل المعتمدة في المدينة هي الحمير، تستخدم لنقل مختلف انواع البضائع، لهذا يكتسب حضور هذا الحيوان قيمة كبيرة في مدينة زرهون.
يعتمد النشاط الاقتصادي للمدينة على بعض الأنشطة الفلاحية الموسمية مثل انتاج الزيتون وبعض الأنشطة السياحية و المنتجات المرتبطة بزيارات المغاربة و الاجانب لضريح مولاي ادريس زرهون.
يبلغ التعداد السكاني في المدينة قرابة اثني عشر الف نسمة، وقد عرف تراجعا كبيرا بعدما كان يبلغ العشرين ألف. وهذا راجع إلى قلة فرص العمل مما فرض على العديد من الأسر الهجرة إلى مناطق اخرى.
وحتى مع مكانة مولاي ادريس زرهون التاريخية ورمزيتها كاول عاصمة للمغرب ومنبع اول سلالة حكمت البلاد، إلا أن ذلك لم يشفع لها من نيل نصيب كبير من التهميش الاقتصادي والاجتماعي.
مدينة مولاي ادريس زرهون من الاعالي
مباني المدينة بيضاء مثل بياض الثلج، صافية المظهر وانيقة التصميم، تشابه في لون مبانيها وشكلها مدن الثغور التقليدية المغربية مثل أصيلة والصويرة. عندما تقف على أزقة المدينة من فوق، تشارف كل محيطها من الاعلى في صورة بانورامية تستحضر فيها صور الخيال الممزوجة بطعم التاريخ التليد والحاضر الذي يتراوح بين مقومات الازدهار وواقع التهميش معا.
الرحلة الى الاعلى عملية شاقة حتى على من يتمتع بصحة جيدة وليس من أبناء المدينة ، لذا خذ بعض الوقت لتستريح من مشقة الصعود عبر دروب ضيقة وسلالم تكاد لا تنتهي، قبل الاستمتاع بطراوة المنظر.
ضريح مولاي ادريس
لازالت المدينة تتغنى باسم اول مؤسس لها، و هي تحتضن مكان دفن جثمانه. الضريح مقدس بالمدينة ويقع في الساحة الرئيسية بئر انزران. يحج اليه المغاربة من مختلف المدن لاسباب مختلفة، فمنهم من يترجى شفاء اعجازيا من مرض عضال عجز الطب الحديث عن مداواته، او امرأة تحن لان تحضن صغيرا بين ذراعيها محرومة من هذا الدفئ بسبب العقم. لكن البعض أتى لمجرد الفضول او السياحة والإستمتاع بالمكان التاريخي، واخرون للتعبد.
ومهما يكن السبب، فالضريح يجمع كل هؤلاء شرط أن يكونوا مسلمي الدين، فلا يسمح بدخول المكان لغير المسلمين. ويضمن هذا الشرط شرطي يقف على باب الضريح بعينين ثاقبتين ونظرات حادة لتمييز بشرة القادمين، وفي حالة الشك قد يطلب وثائق الاثبات.
في الضريح يتواجد ما يسمى “الشرفاء”. هم سليلوا مولاي ادريس والنسب الشريف على ما يدعون، يتلون القرآن والاذكار ويتعيشون بما يجود بها زوار المكان.
ساحة بئر انزران تعج بالمفاهيم و المطاعم الشعبية تتوفر للزوار ما يحتاجونه من وجبات. اهم الماكولات المتوفرة هي الطاجين المغربي بالنكهة الزرهونية، اي توابل المنطقة. إلا أن أهم ما تشتهر به مدينة مولاي ادريس زرهون هو الكفتة، اللحم المفروم ، حيث لا يكاد زائر قدم إلى المدينة الا وذاق من هذا الطبق. اهم ما يميز الكفتة بزرهون حسب ساكنيها هو مصدر اللحم، حيث يعانون بالخراف على أيديهم ثم التوابل وطريقة التحضير.
موسم مولاي ادريس زرهون
يبدأ الموسم في فصل الصيف نهاية شهر غشت ويستمر أربعة أسابيع. انه الموسم الذي تشتهر به المدينة ويحج اليه الاف المغاربة من كل صوب وحدب. يعرف الموسم حضور العديد من المجموعات الفلكلورية بالمنطقة مثل عيساوة وحمادشة، كما يقصده طلاب المدارس العتيقة والفقهاء وزوايا معروفة.
مدينة مولاي ادريس زرهون معلمة تاريخية ودينية مهمة خصوصا للمغاربة، لما لها من رمزية عميقة متاصلة في التاريخ المغربي. غير أن ذلك لم يشفع لها من أن تكون رقما قويا في الحاضر المغربي. هي لازالت تنتظر الكثير وتتامل في المستقبل، غير ان هذا لا ينتقص من قيمتها السياحية، وينصح بزيارتها خصوصا اذا مررت بمكناس و وليلي.