قبور السعديين بمراكش
تتعدد المآثر التاريخية التي تجعل من مراكش مدينة جذب سياحي، فهذه الأخيرة تضم معالم تشهد لها بالعراقة، وتذكر العالم بالدول التي مرت على المدينة الحمراء. و قبور السعديين معلمة عريقة بالمدينة لا تقل اهمية عن قصر البديع او حدائق المنارة او حتى مسجد الكتبية الغني عن التعريف. كانت قبور السعديين هي المقبرة الملكية الرسمية للاسرة السعدية الحاكمة انذاك. وفي هذا المقال سنورد لمحة تاريخية عنها وسنقدم شرحا شاملا حول الهندسة المعمارية لهذه القبور.
الوصف العام
يعد ضريح السعديين واحدا من أبرز المعالم التاريخية والثقافية في المدينة الحمراء، ويطلق عليه بشكل عام قبور السعديين. هذه المعلمة السياحة تجذب عشاق التاريخ والحضارة، وهي من المعالم القليلة المتبقية من فترة حكم السعديين الذين عاشت معهم المدينة عصرا ذهبيا ما بين عامي 1524 و1659م. تقع هذه القبور بالقرب من مسجد القصبة في حي يحتفظ بجمالية الثقافة المغربية القديمة.
الوصف التاريخي
تم بناء أول مجموعة من الغرف الجنائزية في عام 1557م خلال عهد السلطان عبد الله الغالب، وقد اكتشفت هذه المقبرة الملكية في عام 1917م، وهي تحتوي على قبور الأسرة السعدية الحاكمة. تحتوي قاعة الدفن الرئيسية على قبر السلطان محمد الشيخ، الذي وافته المنية في العشرين من ذي الحجة سنة 964 هـ (1557 م). يمكن تأريخ بناء هذه القاعة إلى عهد ابنه مولاي عبد الله، الذي توفي سنة 981 هـ (1574 م). وقد زينت رخامة قبر السلطان محمد الشيخ بأبيات شعرية.
في عهد السلطان أحمد المنصور السعدي، تم توسيع البناء المحيط بقاعة داخلية وممرين من ثلاث جهات، وذلك بمناسبة دفن الحرة للا مسعودة الوزكيتية التي توفيت في الثاني من محرم سنة ألف هجرية (1590 م). دفنت بجوار قبر زوجها محمد الشيخ بأمر من ابنها أحمد المنصور، ولهذا السبب تُعرف القبة اليوم باسم قبة للا مسعودة، وعلى غرار سلاطين المماليك في مصر، قام المنصور الذهبي ببناء مقبرة لنفسه خلال حياته، وهي تشمل البناء الغربي وقاعاته الثلاث، خاصة القاعة الوسطى ذات الاثني عشر عمودا، حيث يقع قبر المنصور. نقل ابنه جثمانه إلى هذه القاعة بعد وفاته في فاس سنة 1012 هـ (1603م).
وتم دفن ابنه زيدان بجواره، وتبع ذلك دفن العديد من الشخصيات العلمية في تلك القباب أو في محيط الروضة. واليوم يمكن رؤية ما يزيد عن خمسين شاهدة من الرخام المنحوت، بالإضافة إلى عدد كبير من القبور المغطاة بالزليج، مما يضفي جمالية فريدة على المكان.
الوصف المعماري
داخل أسوار قبور السعديين، تبرز مجموعات من المباني، حيث يتمثل أصغرها في بناء جانبي يُعرف بقبة للا مسعودة، والذي يعتقد جورج مارسيه أنه سبق بناء الهيكل الرئيسي بما يقارب ثلاثين إلى أربعين عاما. يتألف هذا البناء الصغير من قاعة جنوبية وقاعة شمالية أصغر حجماً، وتُعتبر هذه الهياكل الصغيرة النواة الأصلية للبناء الرئيسي، وهو متواجد غرب قبة المنصور. نجد أن النواة الأصلية للبناء، وهي القاعة المربعة الشمالية، محصورة بين رواقين شرقا وغربا، في حين تتصل جنوبا بالقاعة الأكبر من حيث المساحة، فيما يتوافق كلا الرواقين المذكورين في التخطيط والمساحة والعناصر المعمارية والزخارف.
كل رواق يتكون من مدخل يتميز بفتحة كبيرة تمتد على ارتفاع كامل يتوسطها عمود رخامي يحمل تاجا تغطيه النقوش الجبصية. ثم يتبع ذلك عقد مستقيم من الخشب المنقوش بزخارف متنوعة تبرز وسطها النصوص الدينية. ويعتبر هذا المدخل أحد أهم العناصر المعمارية والزخرفية في كل واجهة.
تتميز زخارف الرواق خلف كل من البابين بحزام من الخط النسخي المقشر في الزليج الأسود الذي يحيط بجدران الرواق ويمتد في القاعة الشمالية الصغيرة، ويستمر في القاعة الكبرى الجنوبية، ولكن بفارق بسيط في التصميم. يتميز الحزام في القاعة الجنوبية بوجود شريط من الخط الكوفي المحفور في الجص، بينما يوجد إطار آخر من الخط النسخي الأندلسي في الجص يعلو شريط الكتابة النسخية في القاعتين الشمالية والجنوبية.
بعد الدخول من الباب الغربي وعبور الرواق، تصل إلى فتحة في الجدار الغربي للقاعة المربعة الشمالية. وهناك تلاحظ وجود دخلة معقودة بقوس مقرنص حولها شريط كتابي. تتوسط الجدار الشمالي دخلة أعمق بصورة محراب تغطيها قبة مقرنصة. أما جنوبا فتوجد فتحة أخرى تربط هذه القاعة بالقاعة الأخرى الأكبر منها، وتغطي القاعة الصغيرة الشمالية التي تضم عددا من شواهد القبور الرخامية قبة مقرنصة.
في القاعة الكبرى، يلاحظ وجود فتحة على المحور الطولي بين القاعتين، وفتحة في كل جانب بالحائط الشمالي، تضم هذه القاعة عددا أكبر من شواهد القبور الرخامية، ويغطي سقفها برشلة من أربعة جوانب، كما يستمد البناء في القبتين والرواقين روعته الزخرفية ورقته الجمالية من تأثير الأضواء على الزوايا والسطوح المتعددة، مما يسلط الضوء على ثراء النقوش السعدية في الزليج والجص على مساحة واسعة من الأسقف والجدران.
أما فيما يتعلق ببناء العمارة الرئيسية في أضرحة الأشراف السعديين، حيث دفن المنصور السعدي، يتم الوصول إليها عبر ممر متعرج يدور حول محراب المسجد، حتى الوصول إلى الصحن الواسع والقباب القائمة التي ترتفع على جدار مسجد القصبة، تتكون هذه المجموعة المعمارية من ثلاثة عناصر رئيسية، يتصل العنصر المركزي بالجنوب ببيت للصلاة، بينما يتصل من الشمال بقاعة تمثل الاتساع الكبير لقاعة الدفن.
بيت الصلاة يتميز بمساحة مستطيلة تفوق العمق، ويتصدره محراب مضلع الجوانب ومحاط بأعمدة رفيعة ملونة، تغطيه قبة مقرنصة، يفتح على أسكوب القبلة بعقد منكسر على هيئة حدوة الفرس يرتكز على الأعمدة النصفية، ينقسم تخطيط المسجد إلى ثلاثة أساكيب وثلاثة بلاطات عن طريق أربعة أعمدة وضعت على صفين، يحمل كل منهما عقودا متقاطعة من النوع المتجاوز المنكسر.
أما محور المحراب، فهو يتصل شمالا بالقبة الرئيسية، التي تحتوي على قبر المنصور، والتي تتصل بالممر الرئيسي عن طريق بابين مستقلين، تتميز هذه القبة الرئيسية بتخطيط مربع، وتتوسطها ساحة وسطى محصورة بين اثني عشر عمودا مجتمعين في مجموعات من ثلاثة أعمدة، يوجد قوسان في كل جانب من جوانب الساحة الوسطى، التي تتكون من ثلاثة أعمدة متجاوزة منكسرة ومغطاة بقبة مقرنصة.
تتكون الساحة الوسطى من قاعدة مقرنصة مغطاة بزخارف هندسية تنساب أسفلها اقريز من المقرنصات وشبكات المعينات المحفورة في الجص والكتابات النسخية الكبيرة، وارتفاع الجدران لهذه القبة يصل إلى 11.50 مترا، وقد زخرفت بشكل رائع من الخزف الملون متعدد الأشكال، يستمد جماله من التكوينات الهندسية، وتتضمن الزخارف الهندسية في الزليج شريطًا كتابيًا يدور حول القاعة بالخط النسخي المملوكي المقشر.
وفي أعلى الشريط الكتابي، توجد الخطوط النسخية المملوكية في الجص، التي تتوسطها كسوة فريدة تغطي بقية جدران القاعة مثل غلالة من الدانتيل ذات عناصر دائرية مذهبة متصلة ترتفع إلى الإزار الخشبي أسفل الأسقف، وفوق كل من الجدارين الشرقي والغربي، هناك مجموعة من ثلاثة نوافذ من الجص والزجاج الملون، مما يضفي عليها منظرا خلابا عندما تتعرض للأضواء، مما يبرز تفاصيل الزخارف المنحوتة في الجص والخشب والزليج والرخام.
وهناك العنصر المعماري الثالث، وهو قاعة بنفس الاتساع ولكنها أقل عمقا، تنتهي بحائط مقسم إلى ثلاثة أجزاء مسطحة على هيئة المحراب، وينقسم سقف القاعة إلى ثلاثة أقسام، وقد صنع من الخشب، مع وجود منور علوي للإضاءة بكل من الناحيتين الشرقية والغربية.
أهم الأنشطة التي يمكنك القيام بها أثناء زيارة قبور السعديين
- الاستمتاع بمشاهدة الشكل الخارجي للضريح الرائع والذي يحمل ملامح العمارة المغربية والأندلسية القديمة، كما تحيط بالمبني الأشجار والنباتات التي تكسبه منظر بديع.
- مشاهدة النقوش والزخارف الرائعة للضريح والتي تمتزج فيها الثقافة المغربية مع الثقافتين الأندلسية والمشرقية، التي تنتج إبداعا يستحق الزيارة.
- زيارة القاعة المخصصة للصلاة عند ضريح السعديين والتي تتكون من ثلاثة بلاطات بها أعمدة رخامية مُصممة بشكل راقي ومُميز.
أوقات الزيارة
يوميا من الساعة 8.30 صباحًا وحتي 11.45 ظهرًا، ومن الساعة 2.30 ظهراً الى 5.45 مساءً.
أسعار الدخول
تكاليف الدخول إلى قبور السعديين 10 دراهم.
تعتد قبور السعديين من أهم المآثر التاريخية التي تشهد على عراقة مراكش، وهي مثال ظل صامدا عبر السنوات ليكون شاهدا على مدى تقدم الحضارة السعدية معماريا، تلك الحضارات التي تركت بصمة قوية على تاريخ المغرب، وغيرت مجريات تاريخية بعد هزيمتها للبرتغال في معركة الملوك الثلاثة.