تاريخ طنجة - محطة عبر العصور من الفينيقيين إلى العصر الحديث

تاريخ طنجة: رحلة عبر العصور وحكايات عروس الشمال

تاريخ طنجة يتحدث عن ما مرت به المدينة من تحولات عميقة شكلت ماهي عليه الان, إنه تاريخ غابر يضرب في عمق الحضارة الامازيغية ما قبل الاسلام، . تلقب طنجة بعروس الشمال لما لها من أهمية تاريخية و حاضرا ثقافيا واقتصاديا قويا خصوصا في السنوات الاخيرة مع تدشين ميناء طنجة المتوسطي بها. موقعها الجغرافي و تضاريسها المناسبة للنشاط الفلاحي و ثروتها السمكية بالاضافة الى مؤهلاتها السياحية الكبيرة، حيث تطل على واجهتين بحريتين، البحر الابيض المتوسط بهدوء أمواجه و صفاء مياهه و دفئها و المحيط الاطلسي بعلو امواجه و رهبة و عظمة حضوره المهيب، كلها جعلتها تتبؤ مكانة فريدة من بين المدن المغربية.

ولا يقتصر ذكر تاريخ طنجة عند ذلك، بل هي تجر وراءها تاريخا حافلا بالاحداث و الشخصيات التاريخية الفريدة التي تركت بصماتها في تاريخ المغرب و المنطقة ككل. فمن هنا مر الملك الامازيغي سوفاكس ابن الاميرة طنجيس و مؤسسها منذ حوالي 1320 قبل الميلاد، و منها انطلق طارق بن زياد في أولى فتوحاته لغزو الاندلس، و عاش بها بن بطوطة ورأت النور عيناه الى الدنيا على هذه الارض، و ما روى من تاريخ في كتاباته التي لا تحصى يعود فضله في المقام الاول الى هذه البقعة.

فكيف و متى كان ميلاد مدينة طنجة، و ما هي الاحداث التي تعاقبت عليها الى الان؟ وكيف هو حاضرها؟ في هذا المقال نجيب على كل هذه الاسئلة واخرى، لتقديم هذه المدينة في الحلة الابهى التي تستحق مساهمين في اماطة اللثام عن جوانب كثيرة من تاريخها الذي طواه النسيان، الا من من سجل امواج البحر.


طنجة في العصور القديمة

في القرن الخامس قبل الميلاد، استوطنها التجار الفينيقيون وسرعان ما أصبحت مركزا تجاريا مهما على سواحل البحر الأبيض المتوسط، ثم ضمتها الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، وأصبحت في عام 42م عاصمة لمقاطعة موريطانيا الطنجية.

طنجة بين الرومان والبيزنطيين

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، استولى الوندال على طنجة في عام 429م بقيادة الملك غايسيريك، الذي جعلها عاصمة لمملكة الوندال ومقرا لتنفيذ هجوماته على الإمبراطورية الرومانية في الشرق، حيث أسكن فيها نحو 80,000 من الونداليين. بعد انهيار مملكة الوندال في عام 534، استولى البيزنطيون على المدينة، ولكنهم فوضوا حكمها لمملكة القوط الغربيين في إسبانيا باسم قيصر القسطنطينية. استمر هذا الوضع حتى فتحها الأمويون في عام 702.

تاريخ طنجة في العصور الإسلامية


الأمويين أول مرحلة من مراحل العصر الإسلامي

امتد تاريخ طنجة الحافل بالاحداث و تعاقب الحضارات بعد انقضاء العصور القذيمة. فبعد دخول الأمويين لها، أصبحت طنجة مركز انطلاق الفتوحات الإسلامية لغزو الأندلس على يد طارق بن زياد في عام 711م.، لكن المدينة وقعت تحت سيطرة الثوار الأمازيغ بقيادة ميسرة المضغري في عام 740م، الذين جعلوها عاصمة لهم ومركزا لانتشار مذاهب الخوارج في المغرب. استمرت هذه الإمارة حتى عام 791م، عندما عادت هيمنة الخلافة العباسية عليها على حساب تلك الإمارة، لفترة قصيرة لم تتجاوز السنتين.

تاريخ طنجة في عهد الأدارسة

بايع أهالي طنجة إدريس بن عبد الله العلوي، متحولين إلى المذهب الشيعي الزيدي في عام 904م. في هذه الاثناء، اقتحم الفاطميون المدينة وقطعوا الدعوة الإدريسية بها، ولكن إخلاص الطنجيين للمذهب الزيدي ورفضهم للتعاليم الإسماعيلية التي فرضها الفاطميون عليهم، جعلهم يعيدون البيعة للحسن الحجام الإدريسي في عام 905م.

ظلت طنجة خاضعة لحكم الأدارسة، لكنها تعرضت لهجمات متكررة من الأمويين القادمين من الأندلس، والذين نجحوا في إنهاء الدولة الإدريسية. نتيجة لذلك، أصبحت طنجة خاضعة مباشرة للسلطة الأموية ثم العامرية في الأندلس.

طنجة في مرحلة حكم المرابطين والموحدين والعزفيين.

في عام 1017م، عادت التوترات المذهبية للظهور بين السنة والزيدية في طنجة، مما دفع سكان المدينة إلى التفكير في الاستقلال ومبايعة أحد الدعاة الأدارسة. نتيجة لذلك، استقلت طنجة عن الأندلس.

بعد استيلاء المرابطين على طنجة في عام 1084، تم فرض المذهب السني المالكي على أهل المدينة، وتم قطع الدعوة الزيدية. ومع ذلك، سقطت دولة المرابطين على يد الموحدين في عام 1145، واستولى هؤلاء على طنجة.

استمرت السلطة الموحدية في طنجة حتى عام 1239، حين أعلن سكان المدينة ولاءهم لأمراء سبتة العزفيين. خلال هذه الفترة، أصبحت طنجة ميناء عسكريا وتجاريا مهما، وأنجبت أحد أعلامها، الرحالة الشهير ابن بطوطة، الذي مجد ذكرها وأوصل إشعاعها الحضاري إلى مناطق بعيدة مثل جزر المالديف وسريلانكا في المحيط الهندي.

طنجة في الفترة المرينية – الوطاسية

انتهت إمارة العزفيين في عام 1327 عندما استولى الأمراء المرينيون على طنجة، واستخدموها كمركز للدفاع عن الأندلس وميناء لعبور المتطوعين، خلال هذه الفترة، شهدت طنجة إحدى أهم المواجهات الصليبية-الإسلامية في الغرب الإسلامي، وهي معركة طنجة التي اندلعت بعد قرابة شهر من حصار البرتغاليين للمدينة. انتهت المعركة في 19 أكتوبر 1437 بهزيمة نكراء للبرتغاليين.

خلال حكم المرينيين والوطاسيين، شهدت طنجة انتعاشا ديموغرافيا كبيرا. استقبلت المدينة مئات الأسر الفارة من مناطق مختلفة من الأندلس، خاصة من الجنوب الأندلسي. وهكذا أصبحت إحدى أهم موانئ الاستقبال لهؤلاء الفارين.أما بعضهم فتوجه إلى بوادي شمال المغرب أو إلى مدينتي فاس وسلا.

طنجة خلال الاحتلال البرتغالي والفترة الاستعمارية

نجح البرتغاليون في احتلال طنجة فعليا في عام 1471، مما أدى إلى نزيف ديموغرافي خطير. هاجر الآلاف من سكان المدينة إلى البوادي القريبة خوفا من المحتلين، بينما فضل آخرون البقاء والمقاومة. حولت الحاميات البرتغالية المدينة إلى ثكنة عسكرية شمال إفريقيا. غير أنهم حافظوا على علاقة محايدة مع السكان المحليين الباقين، بعد أن أدركوا أن مصدر الثورة غالبا ما سيكون دينيا. نتيجة لذلك، اضطروا إلى احترام عقائد السكان المحليين، بخلاف سياستهم في مستعمرات أخرى. وقد تركت هذه الفترة آثارا عمرانية تشمل عددا من الأبراج والقلاع والكنائس.

ظلت طنجة تحت الاستعمار البرتغالي حتى عام 1580. عندما انتقلت المدينة إلى الحكم الإسباني بعد الانفصال الفعلي لمملكة البرتغال عن إسبانيا. لاحقا، انتقلت ملكية المدينة إلى الملك الإنجليزي تشارلز الثاني كجزء من مهر الأميرة كاثرين براغانزا، وتحولت الحامية الإنجليزية إلى المدينة. قام الإنجليز بإعادة بناء الميناء الإسلامي، مما مكنهم من السيطرة على مضيق جبل طارق وبالتالي السيطرة على التجارة في البحر الأبيض المتوسط.

طنجة بين محاولات استردادها وفترة الحكم العلوي

طوال فترة الاستعمار الأجنبي، عرفت مدينة طنجة محاولات استردادها، سواء برا عبر الحاميات المنظمة للقبائل المجاورة أو بحرا عبر أساطيل القراصنة التابعين للإمارات الجبلية المختلفة في تطوان والعرائش وشفشاون والقصر الكبير. في عام 1678 تمكن الأمير أحمد الخضر غيلان من استرداد مدينة طنجة، إلا أن هذا النجاح لم يدم طويلًا.

في عام 1684، استولى الجيش العلوي المغربي بقيادة السلطان المولى اسماعيل على مدينة طنجة بعد تصفية الأمير الخضر غيلان. بهذا عادت طنجة إلى الحكم المغربي وأصبحت جزءا من السيادة العلوية.

طنجة في الفترة العلوية: الثقافة والعمران

تشكل فترة السلاطين العلويين، خصوصا المولى إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله، أهم مرحلة ثقافية وعمرانية في تاريخ طنجة في العصرين الوسيط والحديث. فبعد استرجاعها من الاحتلال الإنجليزي في عهد المولى إسماعيل، استعادت طنجة دورها العسكري والدبلوماسي والتجاري كبوابة على دول البحر الأبيض المتوسط.

عرفت طنجة في هذه المرحلة نهضة عمرانية كبيرة، حيث شيدت الأسوار والحصون والأبواب، وازدهرت الحياة الدينية والاجتماعية مع بناء المساجد والقصور والنافورات والحمامات والأسواق، كما بنيت الكنائس والقنصليات والمنازل الكبيرة الخاصة بالمقيمين الأجانب، مما جعل طنجة عاصمة دبلوماسية تحتوي على عشر قنصليات بحلول عام 1830، ومدينة دولية تجذب التجار والمغامرين من جميع أنحاء العالم بفضل الامتيازات الضريبية التي كانت تتمتع بها.

طنجة العاصمة الإدارية لإيالة جبالة

خلال العهد العلوي، أصبحت طنجة عاصمة لإيالة جبالة، ومقرا للخلافة السلطانية. كان خليفة السلطان، الذي يمثل السلطان ويعمل كنائبه، يتمتع بسلطة قوية. فالإضافة إلى إشرافه على شمال المغرب، وخاصة إيالتي جبالة والريف، كان مسؤولا عن العلاقات الخارجية للدولة الشريفة وعن عقد الاتفاقيات التجارية والعسكرية.

طنجة في القرن التاسع عشر: الضغوط الفرنسية والتوقيع على معاهدة طنجة

في سنة 1844، ونتيجة لتقديم المغرب العون للأمير عبد القادر الجزائري، قامت السلطات الفرنسية بقصف مدينة طنجة كخطوة انتقامية. هذا الحدث الذي وقع في اليوم السادس من أغسطس 1844، أدى إلى إجبار السلطات المغربية على توقيع معاهدة طنجة في أكتوبر من نفس العام. من خلال هذه المعاهدة، اعترفت السلطات المغربية بالجزائر كأراض فرنسية.

طنجة في القرن العشرين: معاهدة الحماية والتأثير الأجنبي

في سنة 1912، تم توقيع معاهدة الحماية، حيث حصلت فرنسا على المنطقة الوسطى من المغرب، بينما حصلت إسبانيا على المناطق الشمالية والجنوبية. تم نفي السلطان عبد الحفيظ بن الحسن إلى القصر السلطاني بمدينة طنجة، التي ظلت تحت تصرفه إسميا. في هذا الوقت كانت نسبة المغاربة في المدينة لا تتعدى 60 بالمئة. هذا أدى إلى زيادة نفوذ السفارات الأجنبية التي ادعت أن من مهامها الحفاظ على رعاياها في المدينة.

طنجة في الحرب الأهلية الإسبانية والحرب العالمية الثانية

بعد هزيمة الجيش الإسباني في المغرب عام 1921 على يد الأمير عبد الكريم الخطابي، تفاقمت الفوضى في إسبانيا. طالب الحزب آنذاك بعودة الحياة النيابية، ففاز الجمهوريون بزعامة زامورا بشكل ساحق عام 1931. نتيجة لذلك طالبوا الملك بالاستقالة، ولكنه فر من البلاد دون أن يستقيل، مما دفع إسبانيا لإعلان الجمهورية.

طنجة في الحرب العالمية الثانية

بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، احتلت إسبانيا مدينة طنجة وأكثرت من وجودها بها. هذا أدى إلى أزمة دولية بين بريطانيا وإسبانيا. التوصل إلى اتفاقية تمنح المستوطنين الإنجليز الحماية والامتيازات التجارية. هكذا اعترفت بريطانيا بحق إسبانيا في التصرف بطنجة.

طنجة : الاستقلال والتحولات الحديثة

كان تاريخ طنجة و حضورها دوما بارزا في جميع المنعطفات التاريخية للمغرب. ففي عام 1956، وتحت سياسة السلطان محمد الخامس، تم إعلان مدينة طنجة كمدينة مغربية مستقلة. بموجب هذا التحول، غادر العديد من الأجانب المدينة، وأصبحت مركزًا تجاريًا واقتصاديًا هامًا على مستوى المغرب وشمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط.

امتد تاريخ طنجة منذ القدم، وتميز هذا التاريخ بمرور دول وحكام وحضارات مختلفة. فالفنيقيون والرومان والوندال والقوط والمسلمون كلهم تركوا بصماتهم بها. فطنجة كانت أرض الصراع بين المذاهب الإسلامية، وعاشت الغزو البرتغالي والاسباني والانجليزي، ولعبت دورا مهما في العلاقات الديبلوماسية في القرن العشرين، وهي الآن منارة صناعية وسياحية تلفت الانتباه.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *