الموسيقى الاندلسية بفاس

الموسيقى الأندلسية بفاس عبق التاريخ و شذى الحاضر

في مدينة فاس، يمتاز التنوع الموسيقي التاريخي بتأثيرات متعددة، حيث استوحت الموسيقى الأندلسية من التراث الأندلسي واندمجت مع التقاليد المغربية لتشكل نوعاً فريداً من الموسيقى يعرف بـ”موسيقى الآلة”. وتعكس هذه الموسيقى طقوس خاصة في المناسبات والأعياد في فاس وتحظى بمكانة مميزة في المجتمع المغربي.

من جهة أخرى، أضافت الموسيقى اليهودية بصمتها على الساحة الموسيقية في فاس، حيث أسهم الفنانون المغاربة اليهود في إثراء التراث الموسيقي المحلي بأعمالهم التي لا تزال تحتفظ بمكانتها في الذاكرة الثقافية للمدينة والمجتمع المغربي بشكل عام.

لكن تبقى الموسيقى الاندلسية هي اللون الموسيقي الذي ورثته فاس من الموسيقى الاسلامية عبر تطورها التاريخي، وذلك بشراكتها طبعا مع الكثير من مدن شمال افريقيا.

تاريخ الموسيقى الأندلسية

تاريخ الموسيقى الأندلسية

تاريخ الموسيقى الأندلسية يعود إلى فترة الخلافة الأموية في الأندلس، حيث كانت الموسيقى جزءا أساسيا من الحياة الثقافية والاجتماعية في المجتمع الأندلسي. خلال هذه الفترة، تأثرت الموسيقى الأندلسية بالثقافات الإسلامية واليهودية والمسيحية، مما أدى إلى تطوير نماذج موسيقية فريدة ومتنوعة.


مع سقوط الأندلس في القرن الثاني عشر، انتقلت الموسيقى الأندلسية إلى المغرب الأقصى وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من التراث الموسيقي هناك. ومن خلال الأمور المذكورة، بدأت الموسيقى الأندلسية تتطور وتتشكل على مدى القرون في بلاد المغرب العربي.

وفي القرن الحادي عشر، ظهرت تقاليد المدائح الصوفية، والتي تشكلت حول الموسيقى الأندلسية، وأضافت عنصرًا دينيًا وروحانيًا لها. ومن ثم، استمرت الموسيقى الأندلسية في التطور والتأثير على الموسيقى في شمال أفريقيا، مما أدى إلى تشكيل أصناف موسيقية متنوعة مثل الطرب الغرناطي في مناطق مختلفة من المغرب والجزائر وتونس.

بفضل هذا التاريخ المتشعب والغني، تعد الموسيقى الأندلسية من التراث الموسيقي العريق والمتنوع في المغرب وبلدان شمال أفريقيا.

تاريخ الموسيقى الاندلسية بفاس

في تاريخ الموسيقى الأندلسية في فاس، يتجلى دور الموريسكيين بشكل بارز في انتشار وتطوير هذا النوع من الموسيقى. بعد سقوط غرناطة في عام 1492، قرر الملك فيليب الثاني إجبار الموريسكيين على مغادرة الأندلس بسبب رفضهم التنصير. في عام 1609، صدر قرار بطردهم نهائيا من الأندلس، وكانت وجهتهم الرئيسية هي المغرب.

وصل الموريسكيون إلى المغرب محملين بثقافتهم، ومن بين هذه الجوانب الثقافية كانت الموسيقى الأندلسية التي كانت في أوج تطورها. وقد استقبل المغرب أكبر عدد من الموريسكيين، و كانت بعض المدن كتطوان وشفشاون وجهات استقرار رئيسية لهم.
من خلال مساهمتهم وتأثيرهم، أسهم الموريسكيون في تنويع المشهد الموسيقي في فاس وجعله أكثر غنى وتنوعا، حيث تم امتصاص تراثهم الفني ودمجه بالتقاليد الموسيقية المحلية، مما أسهم في إثراء التراث الموسيقي في المنطقة.

مدارس الموسيقى الاندلسية

تمثل مدارس الموسيقى الأندلسية أحد أهم العناصر التي ساهمت في تشكيل وتطوير هذا النوع المميز من الموسيقى في فاس وغيرها من المدن العربية. ظهرت ثلاث مدارس رئيسية للموسيقى الأندلسية، وهي:

المدرسة الإشبيلية: وهي المدرسة التي ازدهرت في إشبيلية وانتقلت لتتأثر بالثقافة والمجتمعات في ليبيا وتونس. تعرف هذه المدرسة باسم “المالوف”، وتتميز بنغماتها العميقة والمؤثرة التي تعبر عن مشاعر عميقة وحالات شعورية مختلفة.

المدرسة الغرناطية: كانت تنتشر في الجزائر وكان لها تأثير كبير على الموسيقى الأندلسية في المنطقة. تتميز هذه المدرسة بأسلوبها الراقي والمعقد في التوزيع الموسيقي والتشكيل الصوتي.

المدرسة البلنسية: ازدهرت في المغرب، وخاصة في فاس، إلى جانب المدرسة الغرناطية. تمتاز هذه المدرسة بتركيزها على الأداء الغنائي والتقنيات الموسيقية الدقيقة.

من بين أهم الآلات الموسيقية في هذا النوع من الموسيقى هي آلة الربابة، التي تعود أصولها إلى الحضارات القديمة في مصر والهند. تعتبر الربابة آلة رئيسية في تشكيل الموسيقى الأندلسية، وقد انتشرت من المشرق العربي إلى المغرب عبر القوافل التجارية. تعتبر الربابة جزءًا لا يتجزأ من التراث الموسيقي في فاس وتستخدم بشكل واسع في أداء الأغاني التراثية والطقوس الموسيقية.

مسار الموسيقى الأندلسية في فاس

تطوّرت الموسيقى الأندلسية عبر العصور، مع ارتباطها الوثيق بالتاريخ والثقافة في منطقة الأندلس والمغرب. بدأت هذه الموسيقى في الفترة المرابطية، خلال حكم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، واستمر تطورها في الفترة اللاحقة، خلال عهد الموحدين. وقد انتقلت هذه الألحان من إشبيلية إلى المغرب، حيث ثبتت جذورها وازدهرت في عدة مدن مغربية.

في القرن الخامس عشر، بعد سقوط مملكة غرناطة، شهدت الموسيقى الأندلسية تحولًا جذريًا، حيث ظهرت حواضر جديدة بالمغرب، وزادت قدرتها على استيعاب هذا الفن الراقي. شهدت المدن المغربية، مثل فاس وتطوان وشفشاون والرباط، تأسيس مدارس موسيقية خاصة بها. وتميزت هذه المدارس بوجود صناع ناذرين يتفردون بأساليبهم الفريدة في الأداء الموسيقي، وتميزت بتوزيعات وسلوكات موسيقية متفردة، انبثقت من واقعها التاريخي والاجتماعي.

في القرن التاسع عشر، شهدت الموسيقى الأندلسية ثورة في الآلات الموسيقية، مع إدخال آلات مثل الكمان والبيانو.

وبعد استقلال المغرب في خمسينيات القرن العشرين، زادت معالم المدارس الموسيقية وضوحًا مع تغيير ملامحها تحت تأثير الفنانين والموسيقيين البارزين في المجتمعات المغربية.

ومع تقدم الزمن، تطوّرت هذه المدارس وتغيرت خصوصياتها المحلية، حيث بدأت المدارس في المغرب تتبنى أساليب وتقنيات جديدة في الأداء الموسيقي، مما أثر على جودة الموسيقى وتنوعها. ورغم الاضطرابات الثقافية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات المغربية، فإن الموسيقى الأندلسية تظل متجذرة في الثقافة المغربية، وتعتبر عنصرًا حيويًا في التراث الموسيقي للبلاد.

الموسيقى الاندلسية فرع من الموسيقى العربية

الموسيقى الاندلسية فرع من الموسيقى العربية

الموسيقى الأندلسية هي تمازج بين الألحان الشرقية والمغاربية، وتُعتبر واحدة من فروع الموسيقى العربية، وتتأثر بتنوع العناصر الثقافية في الأندلس مثل العرب والبربر والقوط والصقالبة.


استمدت هذه الموسيقى أصولها من الموسيقى العربية قبل الإسلام وأثناء الفتوحات الإسلامية الأولى، ونقلتها العرب إلى المغرب الكبير والأندلس.

يعتمد الأداء في الموسيقى الأندلسية على آلات مثل الرباب والعود، ويقوم على نصوص شعرية لضبط الإيقاعات.
ابتكر عرب الأندلس “فن الموشح” كتجربة فنية تحررت من بعض قواعد الموسيقى العربية التقليدية، حيث تتألف الموشحة من أقفال وأبيات تختلف في الوزن والقافية.

الزجل في الموسيقى الأندلسية يشبه الموشح ولكن يكتب باللغة العامية، ويتميز بالغناء والأداء اللحني. أما الموسيقى الأندلسية فتعتمد على ترتيب خاص للعزف الموسيقي وغناء الموشحات يُسمى “النوبة”.

الصراع بين فاس وتطوان حول الريادة في الموسيقى الأندلسية

عبر التاريخ يبرز دور الشيوخ الفنانين في فاس كأعمدة رئيسية في تراث المدينة، وتبرز أهمية أسماء مثل البريهي والمطيري والجعيدي. حيث يتم تشبيه هذه الشخصيات بالأعمدة الرئيسية التي تحمل تاريخ الموسيقى في فاس، ويُشدد على تأثيرهم الكبير على تطوير ونشر الموسيقى في المنطقة. كما يرتبط الفاسي بشكل عميق بالحضارة الفاسية القديمة وتراثها الثقافي المتميز، ويُعزز هذا الارتباط الفهم العميق لدور فاس كمركز ثقافي رئيسي في تاريخ المغرب.

أما التطوانيين، فيُسلطون الضوء على الشيوخ التطوانيين كمحور أساسي في نشر الموسيقى وتعليمها في تطوان، مستشهدين بأسماء مثل الشودري والعربي الغازي بن سلام. حيث يبرز دور هؤلاء الشيوخ في تأسيس المدرسة الموسيقية التطوانية وتطويرها، ويظهر ذلك جليا من خلال تأثيرهم في تشكيل الهوية الموسيقية للمدينة. بالإضافة إلى ذلك، يشير التطوانيون إلى التهميش التاريخي لتطوان وتجاهلها في بعض الأوساط الثقافية، مما يعكس الفهم الخاطئ لتاريخها الموسيقي والثقافي.

وعلى كل حال، يعتبر الشيوخ الفنانين في فاس وتطوان كأعمدة رئيسية في تراث الموسيقى، حيث يشبهون بالأعمدة التي تحمل تاريخ الموسيقى في المنطقتين.

النظم الموسيقية الأندلسية

فن الموسيقى الأندلسية يتميز بتنوع الفنون النظمية التي يضمها، حيث يجمع بين الفنون المعربة والملحونة ليقدم مزيجاً فريداً من الفنون الشعرية والموسيقية. يشتمل هذا الفن على مجموعة متنوعة من الأشكال الشعرية والموسيقية، بما في ذلك الروائع الأدبية كالموشحات والدوبيت والأزجال. كما يتضمن أيضاً فن القومات الذي يعكس جماليات العروض الموسيقية والشعرية المميزة لهذا النوع الفني.

الآلات الموسيقية الاندلسية

الآلات الموسيقية الاندلسية

في فن الموسيقى الأندلسية، تستخدم العديد من الآلات الموسيقية لتنفيذ النوبات بأناقة وإتقان. تشمل هذه الآلات:
الآلات الوترية: مثل العود والكمنجة وأحيانا القانون والرباب، والتي تضيف للمقامات والمؤلفات الموسيقية طابعًا خاصًا من خلال الأصوات اللطيفة والمميزة التي تنتجها.

  • الآلات النفخية: مثل الناي والكورديوم التي تضفي عمقًا ونغمًا خاصًا على الأداء الموسيقي، وتستخدم لتنسيق النغمات الرومانسية على الألحان.
  • الآلات الإيقاعية: تعد النغرات والطار والبندير (الدف) والدربوكة والرق أهمها، ويكون دورها هوتعزيز الإيقاع ومنح الأداء الإيقاعي الحيوية والحماس، وتعمل على إثراء اللحن وتحفيز الاستماع.

الموسيقى الاندلسية المغربية

المغرب يتميز بالحفاظ على قيمه الأخلاقية والتربوية والموروث الثقافي الغني، وهذا ما جعله يتمسك بفن الموسيقى الأندلسية بشكل قوي. تتواجد العديد من منتديات هواة هذا الفن وتُنظم تظاهرات فنية من حفلات وسهرات ومهرجانات تستضيف محترفين وهواة من مختلف أرجاء المملكة لتقديم أعمال موسيقية راقية.

من بين المدن التي تحتفظ بتراث الموسيقى الأندلسية بشكل بارز:

  • فاس: تُعتبر أول مدينة حافظت على هذا الفن الراقي وتُوارثته الأجيال. تشتهر بالعديد من المدارس والمعاهد الموسيقية الرائدة، وتُنظم باستمرار حفلات ومهرجانات كبيرة تعنى بموسيقى الآلة.
  • تطوان: تعتبر ثاني قطب للموسيقى الأندلسية بالمغرب، حيث تحظى بمدارس وجمعيات تهتم بتعليم وتعزيز هذا الفن.

طنجة، سلا، الشاون، والرباط أيضًا تشتهر بتنظيم فعاليات فنية تعنى بموسيقى الآلة وتساهم في الحفاظ على هذا التراث الثقافي الغني.

هذا الفن محمي من خلال الجمعيات التي تنظم سهرات وفعاليات لهواة الموسيقى، مما يسهم في تعزيزه ونشره في أنحاء المملكة. كما تتمتع المهرجانات الكبرى لموسيقى الآلة بشعبية كبيرة وتجذب جمهورًا واسعًا من عشاق هذا الفن الأصيل.

النوبات الموسيقية والشعرية الاندلسية المغربية

يتميز فن الموسيقى الأندلسية بالأشعار التي تغنى بها، والتي تحفظ في كتاب مقدس يسمى الديوان. يتم تجزئة الديوان الكبير إلى ما يُعرف بالنوبات، حيث يتم غناء كل نوبة في ساعة معينة من اليوم، وتتوافق معها في النوبات الحالية عدد الساعات الموافقة لعدد النوبات. تم تقليص عدد النوبات إلى 11 نوبة في المغرب حاليًا، على الرغم من أن الأصل كان يتضمن 24 نوبة، تُغنى كل نوبة في الساعة المحددة لها ولا تُغنى خارج تلك الساعة. تشمل النوبات المتبقية الحالية:

  • نوبة رمل الماية :هي إحدى النوبات الأندلسية الأحد عشر المحفوظة والتي تؤدى بواسطة الفرق الموسيقية في المغرب الكبير وغيرها من الدول العربية. تُعتبر هذه النوبة من بين الأطول والأصعب من حيث الأداء، حيث يستغرق أداؤها الكامل أكثر من 11 ساعة.
  • نوبة الماية: تتميز هذه النوبة بالملحنة في طبع الماية مع استخدام إيقاعات وحركات متنوعة تتبع نظامًا معينًا، وتُعزف تقليديًا في العشية.
  • نوبة الرصد: هي إحدى النوبات الأندلسية التي تعبر عن الحزن وتجمع بين النغمات العربية والزنجية، وتُعزف في أوقات الحزن والشجون والحب الذي لا حيلة فيه.
  • نوبة رصد الذيل: تعرف أيضًا بنوبة العاشق والولهان وتعبر عن التهلل والشجن، وتُعزف تقليديًا في الليل.
  • نوبة الحجاز الكبير: تتميز بنغمة مفرحة ومنعشة نظرًا لتنوع أنغامها، وتعزف تقليديًا في الليل.
  • نوبة الحجاز المشرقي: هي إحدى النوبات الأندلسية في المغرب الكبير، تعزف هذه النوبة الأندلسية تقليديًا في الزوال، وتتميز بسبع تواشي (افتتاحيات)، وتحمل سلماً موسيقيًا يمتاز بالنغمات الملونة والمفرحة.
  • نوبة عراق العجم: تعزف تقليديًا وسط النهار بعد نوبة الرصد. تمتاز بمقام كبير يأخذ أصوله من المقامات الإغريقية، ويستند على نغمة صول، ولكنها لا ترتبط بمنطقة عراق العجم.
  • نوبة الأصبهان: يعود اسمها إلى منطقة أصبهان في إيران بسبب كثرة جريان الطبع الذي تغنى به على لسان أهل تلك المنطقة. تتميز بمقام طبعي على نغمة ري.
  • نوبة العشاق: هي جزء من النوبات الأندلسية المحفوظة في المغرب الكبير. تتميز بمقامي صوت ري ودو. تعزف تقليديا في الصباح، بين طلوع الفجر إلى شروق الشمس.
  • نوبة الإستهلال: هي الوحيدة التي لم تصل من الأندلس، بل تمت إضافتها في المغرب خلال العصر السعدي.
  • نوبة غريبة الحسين: واحدة من النوبات الأندلسية المحفوظة في المغرب، وتعزف تقليديًا خلال طلوع الفجر.

الموسيقى الأندلسية بحر شاسع يصعب الاحاطة به في مجرد مقال. ولا يمكن حصرها في تعريف واحد بسبب تنوعها وتطورها عبر العصور. تشمل الموسيقى الأندلسية مجموعة متنوعة من الأنماط الموسيقية والتقاليد التي نشأت في منطقة الأندلس الإسلامية في جنوب إسبانيا. تأثر هذا اللون الموسيقي بالثقافات المختلفة التي عاشت في الأندلس، مما أدى إلى تنوعه وغناه. تشمل هذه الموسيقى الألحان العربية والأندلسية واليهودية والغجرية، وتجسد تاريخًا ثقافيًا متنوعًا وغنيًا في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top