السور العلوي بالرباط: رمز تاريخي للهندسة الدفاعية المغربية

يعتبر السور العلوي في مدينة الرباط من أبرز المعالم التاريخية التي تجسد عبق الماضي وروعة الهندسة المعمارية المغربية. أُنشئ في نهاية القرن الثامن عشر ليعزز من قدرة المدينة على الدفاع والحماية. على الرغم من تعرض جزء كبير منه للتدمير خلال تطوير المدينة الحديثة في الربع الأول من القرن العشرين، إلا أن ما تبقى من السور يظل شاهدا على تاريخ الرباط العريق وأهميته الاستراتيجية.

التحصينات المعمارية للسور العلوي

التحصينات المعمارية للسور العلوي تشكل جزءا أساسيا من الهندسة الدفاعية في القرن الثامن عشر، حيث صمّم السور بعناية ليعزز قدرته على الدفاع والحماية. يتألف السور العلوي من وجهين رئيسيين:

الواجهة الغربية

تعد الواجهة الغربية للسور العلوي من أبرز مكونات هذا الحصن التاريخي، حيث تمتد بموازاة السور الموحدي الأصلي. يعتبر هذا التصميم المزدوج بمثابة تعزيز كبير لقدرة الدفاع والحماية للمدينة، مما يجعلها أكثر مناعة ضد الهجمات الخارجية. يمتد هذا الجدار على طول شارع عمر بن الخطاب، ويصل إلى ميدان عبد الله بن ياسين، ثم يتابع مساره عبر شارع أبو حسن الأشعري، وميدان تامسنا، حتى يصل إلى شارع كيبات المطل على البحر. يعكس هذا الامتداد الهيكل الدفاعي المتكامل الذي صمم ليحمي المدينة من الغزوات البحرية والبرية على حد سواء.

الواجهة الجنوبية

أما الواجهة الجنوبية للسور العلوي، فهي تشكل امتدادا للوجه الجنوبي للسور الموحدي. يبدأ هذا الامتداد عند النهاية الجنوبية الغربية للسور الموحدي ويتابع باتجاه طريق الإمام مالك الحالي. من هنا، يمتد الجدار عبر الممر الجنوبي لغابة مولاي عبد الله، محيطا بمساحات طبيعية حيوية تساهم في تعزيز المنظومة الدفاعية. يمثل هذا الجزء من السور خط دفاع داخلي إضافي يحمي المدينة من الهجمات القادمة من الجنوب. يمتاز الجدار الجنوبي بمروره عبر نقاط استراتيجية، مثل منتزه أكدال ومنطقة المياه والغابات ونادي الرياض، مما يجعله جزءا لا يتجزأ من البنية التحتية الدفاعية للمدينة.

يمتد الجدار الجنوبي أيضا عبر مناطق ذات أهمية بيئية واستراتيجية، ما يعكس تكامل التحصينات الدفاعية مع البيئة المحيطة. هذا التصميم يضمن حماية أفضل للمدينة ويساهم في تعزيز استدامة المواقع الطبيعية المتاخمة للسور.

أهمية التحصينات المعمارية

أهمية التحصينات المعمارية والدفاعية في السور العلوي للرباط تتجلى بشكل واضح في تأمين وحماية المدينة على مر العصور. بفضل الهندسة المعمارية الفذة التي تمثلت في تصميم السور، تمكنت الرباط من تحقيق مستوى عال من الأمان والدفاع ضد الهجمات الخارجية. تكامل الواجهتين الغربية والجنوبية يعكس تناغما بين الجمال الفني والوظيفة العسكرية، حيث تم تصميم السور بعناية ليتماشى مع التضاريس الطبيعية ويوفر نقاط دفاعية استراتيجية.

تعتبر التحصينات المعمارية للسور العلوي جزءا أساسيا من التراث الثقافي للمدينة، حيث تبرز مهارة المهندسين المغاربة في استخدام الموارد المتاحة بذكاء لبناء هياكل متينة وقوية. كما تمثل الدفاعات في السور مدرسة تعلم للأجيال القادمة عن كيفية الاستفادة من البيئة المحيطة في تأمين المدن وتعزيز قدرتها على المقاومة.

الحفاظ على هذه التحفة المعمارية العسكرية يعكس الالتزام بالمحافظة على التراث الثقافي والتاريخي للمدينة، ويساهم في نقل القيم والتقاليد إلى الأجيال القادمة. من خلال الحفاظ على التحصينات المعمارية والدفاعية في الرباط، يمكننا فهم تطور المجتمع والعمارة العسكرية عبر العصور، وتقدير الإرث العسكري والمعماري الذي يشكل جزءا مهما من الهوية المغربية.

بوابات السور العلوي

باب مراكش من ابواب السور العلوي بالرباط

كان السور العلوي يحتوي على أربع بوابات رئيسية، ثلاثة منها تقع على الجهة الغربية، وواحدة على الجهة الجنوبية:

  • باب القبيبات: يقع في الطرف الشمالي للسور العلوي، بعرض 15.5 متر، وعمق 5.5 متر، وارتفاع 6.6 متر. يتميز بوجود ثلاث فتحات مقوسة من الداخل وفتحة واحدة مقوسة من الخارج.
  • باب تامسنا: يعرف أيضا بباب تمارة، يقع جنوب باب القبيبات بحوالي 620 مترا. كان يشبهه إلى حد كبير، ولكنه تعرض للتدمير مع أجزاء من السور.
  • باب مراكش: يقع جنوب باب تامسنا بأكثر من 600 متر، ويتميز ببساطته وشكله المربع البارز بطول 3.4 متر من كل جانب.
  • باب المصلى: البوابة الوحيدة على الجهة الجنوبية، أعيد بناؤها في القرن العشرين، وتعمل حاليا كبوابة وصول إلى القصر الملكي من حي السويسي.

يعد السور العلوي مثالا على الهندسة الدفاعية المغربية المتقدمة في القرن الثامن عشر. يظل جزءا مهما من التراث الثقافي لمدينة الرباط.

امتداد السور العلوي بالقصبة

امتداد السور العلوي في القصبة يشكل جزءا مهما من تاريخ الرباط وتطورها العمراني والدفاعي عبر العصور. هذا الامتداد يبرز التحولات الهامة في تخطيط وتطوير المدينة عبر العصور. بالإضافة إلى ذلك، يعكس هذا الامتداد استراتيجية الدفاع والتحصين التي اتبعتها السلطات المغربية لتأمين المدينة وحمايتها من الهجمات الخارجية.

توسيع السور

في عهد السلطان رشيد الأول، تم تمديد الأسوار الواقعة في منطقة القصبة جنوبا. تم تعزيز الجدار الغربي للسور الموحدي بحيث يتفرع ويمتد جنوبا من برجه الجنوبي وينتهي عند مستوى حصن سباعي الأضلاع. يتجه الجدار في جهة الشمال الشرقي إلى حصن شبه منحرف الشكل. يتصل بسور آخر مائل إلى الشمال الشرقي يعود تاريخه أيضا إلى عصر الدولة العلوية.

خصائص السور العلوي

يتراوح ارتفاع السور العلوي ما بين 8.6 متر و 17 مترا، ويصل سمكه إلى 1 متر. يتضمن السور ممرا بعرض 0.65 مترا محميا بحاجز، تتخلله ثغرات و تعلوه شرفات مع أهرامات.

يحيط بالسور برجان مستطيلا الشكل بارزان من جهة الجنوب الغربي. يوجد معقلان مهيبان على جهة الجنوب الشرقي، بالإضافة إلى برج نصف دائري في النقطة الشرقية.

يبقى السور العلوي في الرباط واحدا من المعالم التاريخية الهامة التي تعكس العراقة والإبداع في الهندسة المعمارية المغربية. أنه معلمة بارزة في العاصمة المغربية من حيث التاريخ والهندسة المعمارية. لا تفوتوا فرصة اطلالة ولو بسيطة عليه اذا سنحت لكم الفرصة لزيارة المدينة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top