مراكش مدينة سبعة رجال
تلقب مراكش بالمدينة الحمراء، وتشتهر كونها مدينة النخيل والبهجة، ومن أكثر الأشياء التي تعرف بها مراكش وتطلق عليها “مراكش سبعة رجال”، ولطالما استرعى انتباهنا كلما سمعنا هذه الجملة ذلك السؤال العفوي الذي يظل يتردد في أذهاننا، ما المقصود بمراكش سبعة رجال؟ ومن هم هؤلاء الرجال السبعة؟ وما الذي أدى لإطلاق هذا الوصف على مراكش؟ في هذا المقال سنأخذكم في رحلة ممتعة عبر التاريخ لكشف خبايا هذه العبارة، كما سنتعرف عن هوية سبعة رجال، فتتبعوا معانا فقرات هذا النص بتركيز تام.
أصل التسمية
تعود تسمية مراكش سبعة رجال إلى إحدى الظواهر الفريدة والمثيرة في تاريخ المغرب منذ فترة حكم السعديين، إذ تحولت هذه الظاهرة مع مرور الزمن، إلى عنصر أساسي في المجتمع المراكشي بشكل خاص، والمجتمع المغربي بشكل عام، حيث أثرت على الجوانب السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، وهي عبارة عن طواف سبعة رجال بمدينة النخيل، ويعود تاريخ انطلاقه إلى عهد الدولة السعدية واستمر حتى عهد الدولة العلوية، يتميز بامتداده عبر الزمن، وتعد الأسباب السياسية في تلك المرحلة العامل الرئيسي في نشأته، بالإضافة لتنامي التصوف وازدهاره في المغرب، خصوصا في المدينة الحمراء، مما جعل المدينة تحمل لقب “مدينة سبعة رجال”، وليس هي وحدها من توجد بها مزارات لسبعة رجال، بل عرفت مناطق أخرى نفس الأمر، سبعة رجال بني عروس، سبعة رجال فاس بحي المصلى، وسبعة رجال الفنيدق وغيرها.
نظرة تاريخية: من طواف سبعة رجال ركراكة إلى سبعة رجال مراكش
البداية :
لعبت الأحداث التاريخية البارزة التي شهدتها مناطق حاحا والشياظمة وسوس منذ أواخر عهد الدولة المرينية، دورا كبيرا في ظهور وتنظيم طواف سبعة رجال، فخلال تلك الفترة، تراجعت قوة السلطة المركزية وبدأت التهديدات الأجنبية، خصوصا من البرتغاليين، تتصاعد ضد السواحل المغربية. نتيجة لهذه الظروف، اعتمد السكان على الزعامات المحلية، بما في ذلك رؤساء القبائل وشيوخ الزوايا والرباطات، لحماية البلاد ومقاومة الغزاة.
كان لرجال ركراكة دور بارز في ظهور طواف سبعة رجال في مراكش، حيث حظي هؤلاء الرجال باحترام وتقدير كبيرين من السكان، الذين اعتبروهم من “أشرف” قبائل مصمودة، حيث قاموا بتنظيم طواف يتزامن مع اجتماع قيادة القبائل في مكان قريب من جبل الحديد، ثم أخذت الأمور تتطور بسرعة ليتحول الطواف البسيط إلى زيارة للأولياء والصلحاء بعد اجتماع سنوي يعقد في ربيع كل سنة، هذه الزيارة تنطلق من ضريح الولي أبو بكر الشماس ثم ينتقلون إلى بقية الأولياء، وتمتد رحلة الطواف في ركراكة لمدة أربعين يوما، حيث يمتد طريق السكان عبر مناطق واسعة من أطراف الشياظمة وحاحا حتى سواحل المحيط الأطلسي.
خلال مرحلة السعديين
وكانت معركة جبل الحديد بين محمد الشيخ بن زيدان السعدي والشياظمة في عام 1050 هـ / 1640 م حدثا مهما علاقة بموضوع السبعة رجال، فقد حاول السلطان السعدي إعادة الأمن إلى البلاد بإخضاع المناطق المتمردة، بما في ذلك الشياظمة، الذين هزموه بشدة، وفي أعقاب هذه الهزيمة، بدأوا في نشر أنباء عن فوزهم بفضل سبعة رجال ركراكة، عندما وصلت هذه الأخبار إلى محمد الشيخ السعدي، اقترح علماء مراكش عليه أن يتوجه إلى سبعة رجال في المدينة لطلب المساعدة، ووافق السلطان على الاقتراح، ونظم طواف سبعة رجال مراكش، وبفضل هذا التنظيم، نجح السلطان في استعادة السيطرة على الشياظمة بما فيهم ركراكة ووضع المنطقة تحت سلطته المركزية.
خلال مرحلة حكم المولى إسماعيل العلوي
بسبب تجدد الثورات في المناطق المحيطة بمراكش، ولمواجهة هذه الثورات واستعادة الاستقرار، وجدت الساكنة نفسها مرة أخرى تلجأ إلى الأولياء للحصول على الدعم والإرشاد، في هذا السياق، خاصة في منطقة سوس التي كانت تعتبر ملاذا دائما للثوار ضد حكم المولى إسماعيل وخصوصا مع ابن أخيه ابن محرز، حاول المولى إسماعيل تقليل شرعية الأولياء وإضعاف مكانتهم قام بذلك من خلال استشارة العلماء بشأن صحة الإخلاص والولاء للرجال السبعة لرجراجة.
بالإضافة إلى ذلك، قام المولى إسماعيل بتنظيم زيارة مضادة لسبعة رجال مراكش “العرب” كبديل لزيارة رجال رجراجة “الأمازيغ”، وقد قدم لهذه الزيارة كل الدعم والتنظيم اللازم لتجذب اهتمام الناس وتستحوذ على مكانة الزيارة السابقة وشهرتها، وقد كان هذا حوالي سنة 1100 هـ، وكان الهدف الرئيسي للمولى إسماعيل من هذه الخطة هو تحقيق المصالحة بين أهل مراكش بعد النزاع معهم، وذلك بعد أن نال جيشه هزيمة في حربه مع ابن أخيه ابن محرز، الذي استمد دعمه من سكان المدينة، وقام المولى إسماعيل بإحياء هذا التقليد المحبب لنفوس الناس بهدف تعزيز الوحدة والسلام الاجتماعي في المنطقة.
الرجال السبعة لمراكش
الرجال السبعة الذين تم تكريمهم والاحتفاء بهم في مدينة مراكش هم أشخاص عرفوا بالصلاح، منهم من نشأ وعاش في مراكش، بينما جاء آخرون من مناطق بعيدة شمالا وجنوبا، تميز كل منهم بخصوصياته ومساهماته المتنوعة في المجتمع، فبعضهم انخرط في السياسة والإصلاح، بينما كرس آخرون كل اهتمامهم لميدان التربية والتعليم، ولكل واحد منهم دوره الاجتماعي المحوري الذي أثر في تشكيل المجتمع وبناء قيمه.
القاضي عياض
هو العالم البارز إمام المذهب المالكي في المغرب، يعتبر شخصية مؤثرة في تاريخ العلم والثقافة المغربية، ورغم أنه أصبح من رجالات مراكش المرموقين، إلا أن دخوله المدينة كان في ظروف من الاضطراب والمنفى بسبب الأحداث السياسية التي شهدتها سبتة في ذلك الوقت، يعتبر عياض رمزا للزهد والورع، وكانت له مساهمات كبيرة في العلم والتعليم، حيث عمل في التدريس في مدينة سبتة وبعض مدن الأندلس قبل أن يجد نفسه في مراكش.
أبو القاسم عبد الرحمن السيهلي
العالم النبيل والمفكر عبد الرحمان السيهلي، ولد في سهيل بالأندلس، حيث تأثر ببيئته الفكرية وثقافته الغنية، تميز رغم فقده بصره في سن صغيرة بمعرفته الواسعة في مختلف المجالات العلمية والدينية، من التفسير إلى علم الحديث والأصول، اشتهر السيهلي بتفانيه في البحث والتأليف، وكانت له مساهمات هامة في فهم اللغة والتفسير القرآني وعلم الكلام.، رغم أنه كان غريبا على مراكش ولم يكن له علاقة سابقة بها، إلا أنه تلقى دعوة من يوسف بن عبد المؤمن لزيارتها والاستفادة من علمه الواسع، عرف عليه الصبر والزهد في الدنيا، مما جعله شخصية محترمة ومحبوبة في مراكش، حيث قضى بها ثلاث سنوات قبل وفاته.
يوسف بن علي الصنهاجي
ولد ونشأ في مدينة مراكش، حيث استفاد من التعليم على يد علماء المدينة، بما في ذلك الشيخ أبو عصفور، الذي كان تلميذا للشيخ أبي يعزى، على الرغم من أن يوسف بن علي لم يشارك بنشاط في الحركة العلمية في المغرب، إلا أنه كان يعتبر من الشخصيات الصوفية المعروفة، وكان مصابا بمرض الجذام، بعد وفاته، دفن يوسف بن علي في غار خارج باب أغمات، تاريخ وفاته يعود إلى سنة 593 هجريا (1196 ميلاديا).
أبو العباس السبتي
هو العالم الزاهد والمتواضع، ولد في مدينة سبتة، ثم انتقل إلى مراكش لطلب العلم، واجه صعوبات في الوصول إلى العلماء في مراكش بسبب حصار كان مفروضا عليها، لذا استقر في جبل كيليز لمدة تصل إلى أربعين سنة، بعدما أنهى فترة انعزاله، عاد إلى مراكش وأصبح معروفا بتأليفه وتدريسه، اشتهر بمذهبه الخاص في الصدقة، حيث كان يولي اهتماما خاصا لهذه النوعية من العبادة، تاريخ وفاته يعود إلى سنة 601 هجريا (1204 ميلاديا).
محمد بن سليمان الجزولي
هو الصوفي المغربي المعروف، اشتهر بتأثيره الكبير في المجتمع وفي الحركة الصوفية، تلقى التعليم الصوفي من الشيخ أبي عبد الله أمغار، وسار على نهجه في طريق التصوف، بعد فترة من العزلة والتأمل، اشتهر محمد بن سليمان بتعاليمه الصوفية، وزاد عدد أتباعه وتلامذته، كان له أسلوب تربوي وصوفي فريد، حيث دمج بين عناصر الجهاد والعمل الصوفي في تعاليمه، لم تكن له علاقة وثيقة بمدينة مراكش، وبعد وفاته نقل جثمانه إلى المدينة، حيث أصبح جزءا من رجالاتها البارزين.
من أبرز إنجازاته كتابه “دلائل الخيرات” الذي حقق شهرة كبيرة لا تضاهى، وكان معروفا بلقب “صاحب الدليل” أو “مول الدليل”، قام هذا الكتاب بتأكيد الأهمية العظيمة للصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصبح مرجعا هاما في الصوفية المغربية وخارجها.
عبد العزيز بن عبد الحق التباع
ولدفي بمراكش ونشأ فيها، وعرف بتفانيه في العمل الصوفي والتربوي، كان أحد تلامذة الجزولي والسهلي، وقد اعتبر وارثا لتراث الجزولية، وساهم في تأسيس فرع جديد من التصوف المعروف بالطريقة التباعية، له إسهامات كبيرة في الحركة الصوفية والتربوية، لكنها لم تجعله يحظى بشهرة واسعة كمؤلف أو عالم، لكن تراثه وتعاليمه استمرت من خلال تأثيره على تلامذته وأتباعه.
عبد الله بن عجال الغزواني
أصله من قبيلة غزوان بمنطقة الشاوية، بعد دراسته في فاس وسعيه للبحث عن شيخ الطريقة، وصل إلى مراكش حيث انخرط في التصوف وتلقى تعاليمه من التباع، اشتهر عبد الله بن عجال بنبوغه في مجال التأليف في الصوفية، وقد ساهم في تأسيس الفرع الغزواني للطريقة الجزولية، كانت توجهاته تركز على الجانب الاجتماعي، حيث كان يهتم بشق السواقي وإحياء الأراضي ورعاية الفلاحة.
مسار طواف سبعة رجال مراكش
منذ نشأة وظهور طواف سبعة رجال مراكش، فإنه اتبع مسارا يشمل زيارة سبعة أضرحة مهمة في المدينة، بدءا من ضريح يوسف بن علي الصنهاجي وانتهاء بضريح الإمام السهيليـ حيث يتم تنظيم الزيارة بشكل تغطي أكبر قدر ممكن من المعالم الدينية والصوفية في المدينة، دون مراعاة الترتيب الزمني أو أولوية الأولياء، وقد اعتبر هذا المسار جزءا من التقاليد الدينية والثقافية في مراكش، حيث يمكن للزوار تنظيم زيارتهم حسب الوقت المتاح لديهم، سواء كان ذلك خلال أيام مختلفة أو في يوم واحد مع الالتزام بالترتيب المحدد.
إن مراكش سبعة رجال لقب وصفة عرفت بها المدينة الحمراء، ترتبط أساسا بالواقع الاجتماعي والأحداث التي مرت على المجتمع المغربي خلال فترات حكم دول مختلفة، فهي ظاهرة تميل لأنك تكون متصلة بمظاهر الصوفية، إن لم تكن جزءا لا يتجزأ منها، كان الهدف منها دفع سكان المدينة التي تنظم بها مثل هذه الظاهرة للدفاع والذوذ عنها ضد أي خطر خارجي.