حمامات فاس التاريخية والعتيقة
في العصر المريني، شهدت مدينة فاس ازدهارًا للحمامات التي كانت تلعب دورًا مهمًا في حياة السكان المحليين. تعود ظاهرة الاستحمام في الحمامات إلى عادات الشعوب القديمة، ولكن أصبحت جزءًا من الحياة اليومية للمسلمين بسبب أهميتها في الحفاظ على النظافة والطهارة وتنفيذ فريضة الوضوء في الإسلام.
كانت الحمامات في ذلك الوقت تعتبر مراكز اجتماعية حيوية، حيث كانت الناس يتوافدون إليها للاسترخاء والتنظيف وتبادل الأحاديث. وكانت هذه الحمامات تتبع أساليب البناء الأموية المبكرة، مع لمسات فنية مغربية خاصة تتمثل في تصاميم الأسقف وأنماط القاعات.
ورغم بساطة بعض البنى، إلا أن الحمامات المرينية كانت مصممة بدقة ومحكمة الصنع، ما جعلها تحافظ على مظهرها ووظيفتها عبر الزمن. وتعتبر حمامات مدينة فاس، مثل حمام العلو في رباط الفتح، الذي يعود تاريخه إلى العصر المريني، أحد الأمثلة على ذلك.
تمتاز حمامات فاس بتخطيطها الذكي الذي يتضمن غرفًا متتالية تختلف درجات حرارتها، مما يوفر تجربة مريحة ومنعشة للزوار. وتعكس هذه الحمامات قصة عريقة عن التراث الثقافي والتاريخي للمدينة، وتعتبر جزءا لا يتجزأ من جاذبيتها السياحية والثقافية في المغرب. من بين اهم الحمامات القديمة بمدينة فاس تجد:
حمام الصفارين
حمام الصفارين، الواقع في المدينة القديمة لفاس بالمغرب، يعد واحدًا من الحمامات التاريخية المميزة التي تمتاز بتاريخ طويل ودور اجتماعي وروحي هام في المجتمع المحلي. يقع حمام الصفارين على الجانب الجنوبي الغربي لساحة الصفارين، ويطل على مدرسة الصفارين وجنوب جامعة القرويين، مما يمنحه موقعًا استراتيجيًا في القلب التاريخي للمدينة.
تعود جذور حمام الصفارين إلى القرن الرابع عشر الملادي خلال الفترة المرينية، وكانت وظيفته الأساسية تلبية احتياجات صانعي النحاس المحليين الذين عملوا في المحلاّت التجارية وورش العمل حول ساحة الصفارين. يعد الحمام واحدًا من العديد من الحمامات التي نجت في المدينة، ويعود ذلك جزئيًا إلى شعبيته المستمرة في الثقافة المغربية على مر القرون.
يرتبط حمام الصفارين بمقابر اثنين من الأولياء المسلمين الصوفيين، وهما سيدي طلوق وسيدي أحمد الصقلي، على الرغم من عدم وجود قبريهما بالقرب من الحمام. يعتقد أن بركة الوليّين تساهم في التطهير الذي يمكن تحقيقه في الحمام، ويرجع هذا الارتباط الشعبي أو الصوفي إلى العديد من الحمامات في فاس.
يتميز حمام الصفارين بتصميمه التقليدي الذي تم الحفاظ عليه بشكل عام، شهد عمليات ترميم مؤخرًا بإشراف المهندس المعماري رشيد الحلاوي كجزء من مشروع لترميم الحمامات التاريخية في المنطقة.
تلعب الحمامات في المدن المغربية التقليدية دورًا اجتماعيًا وروحيًا مهمًا، حيث كانت مركزًا للوضوء والحفاظ على الصحة العامة والنظافة، ومكانًا للمناسبات الاجتماعية والطقوس الدينية والاحتفالات. يزور الناس الحمام للاستحمام والاسترخاء، وكانت للنساء دور فعّالا في نقل التقاليد الاجتماعية المرتبطة بالحمام.
يتبع حمام الصفارين تصميمًا مشابهًا لتصميم الحمامات التاريخية الأخرى في المدينة، ويشمل غرفة خلع الملابس وغرف الاستحمام الباردة والدافئة والحارة. يتميز التصميم بأسقف مقببة وجدران مزينة بزخارف هندسية إسلامية، مما يعكس الفنون الإسلامية التقليدية.
حمام ابن عباد
الحمام جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والتاريخي للمدينة، حيث يعود تاريخه إلى عصر بني مرين في القرن الرابع عشر الميلادي. يتميز حمام ابن عباد بأهميته الطبية والثقافية، حيث كان يستخدم في الشفاء والعلاج، وكان محط اهتمام الأشخاص الذين كانوا يعانون من أمراض جلدية وغيرها.
تمتاز هذه المنشأة بتصميمها الفريد والمعمار الإسلامي الجميل، الذي يعكس الثقافة والفنون المغربية القديمة. يتألف الحمام من عدة أجزاء، بما في ذلك قاعات الاستقبال والغرف الخاصة بالاستحمام، وتتميز هذه القاعات بالزخارف الهندسية الفريدة التي تعكس الذوق الفني الرفيع للعصور الإسلامية القديمة.
تشتهر مدينة فاس بتراثها الثقافي الغني، وحمام ابن عباد يعتبر واحدًا من أبرز المعالم التي تجسد هذا التراث. بفضل أهميته الثقافية والتاريخية، يستقطب الحمام الزوار من جميع أنحاء العالم الذين يتطلعون إلى استكشاف جماله الفني وتاريخه العريق.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم حمام ابن عباد في إثراء المشهد السياحي في المنطقة، حيث يعد وجهة مثالية للزوار الذين يرغبون في استكشاف التراث الثقافي والتاريخي للمغرب والاستمتاع بتجربة فريدة وممتعة في أحضان العمارة الإسلامية القديمة.
حمام المخفية
حمام المخفية في فاس البالي يعتبر معلمًا تاريخيًا بارزًا يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر الميلادي، حيث بُني في عهد السلطان أبو عنان فارس من بني مرين، ويعتبر هذا المكان أحد الشواهد الباقية على عظمة الفن المعماري الإسلامي في المغرب.
يتميز حمام المخفية بتصميمه الفني الراقي والتفاصيل الجمالية التي تظهر بوضوح في كل زاوية من زواياه. فقد استُخدمت في بناء هذا الحمام التقنيات الفنية التقليدية المغربية مثل الجص والخشب المنحوت بأسلوب فني متقن، إلى جانب بلاط الفسيفساء الذي يضيف لمسة من السحر والفخامة على الديكورات الداخلية.
بجانب جماله الفني، يحمل حمام المخفية قصة طويلة من الأحداث والتاريخ التي تميزت بها مدينة فاس، فهو لم يكن مجرد مكان للاسترخاء والاستجمام، بل كان مركزًا حيويًا للحياة الاجتماعية والثقافية في المدينة. كان الحمام يجذب السكان المحليين والزوار على حد سواء، حيث كانوا يتوافدون إليه للاستمتاع بالحمامات التقليدية والعلاجات المائية التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من تراث العناية بالجسم في الثقافة المغربية التقليدية.
ومن الجدير بالذكر أن حمام المخفية لا يزال يحتفظ بمكانته الخاصة في قلوب الناس في فاس، فهو ليس مجرد معلم تاريخي، بل هو جزء من الهوية الثقافية والتاريخية للمدينة، ويُعتبر واحدًا من المواقع التي يجب على الزوار زيارتها للاستمتاع بجمال العمارة الإسلامية والاسترخاء في أجواء تاريخية رائعة تحمل في طياتها قصصاً عريقة عن الماضي العريق لهذه البقعة الفريدة في المغرب.
كانت الحمامات الشعبية العامة ولا تزال جزء من الثقافة المغربية العريقة والحديثة على حد سواء. فطالما اهتم المغربي بصحته وجمال جسده منذ القدم. فللحمامات العمومية دور اجتماعي حيث تعد مكانا للتجمع وتجاذب اطراف الحديث في مختلف المواضيع، منها الامور الشخصية والعائلية ومنها التجارية والاقتصادية. كما كان له حيز كبير في الجانب الاستشفائي، حيث ينصح بعض الاطباء المرضى بالحمام في بعض الامراض.
واليوم بالاضافة الى كونها مكانا للنظافة و اجتماع الناس والعلاج ايضا، فالحمامات مدخل مهم لفهم الثقافة و التاريخ المحليين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحمامات ذات التاريخ الغابر.