حديقة ماجوريل تحفة خضراء في قلب مراكش
تتميز مراكش بكثرة الحدائق والأماكن الخضراء التي تصلح للسترخاء والاستمتاع بالمناظر الطبيعية، وللترفيه وقضاء الوقت والتسلية، غير أن هناك حدائق بمراكش كحدائق المنارة وأكدال والنخيل، تحمل في ثناياها قصصا عن تاريخ غابر قد مضى، كونها قد شيدت منذ عصر السعديين أو الموحدين أو المرابطين. ومثلها تماما، فحديقة ماجوريل بالرغم من أنها لم ترى النور الا في الربع الأول من القرن العشرين، إلا أنها هي أيضا تمتلك قصة وتاريخا مميزا. في هذا المقال سنتحدث عن حديقة ماجوريل منذ تشييدها وحتى يومنا هذا.
حديقة ماجوريل: السمات العامة
تمتد حديقة ماجوريل على مساحة 9 آلاف هكتار، محاطة بأسوار خارجية، ومتاهة من الأزقة المتقاطعة على مستويات مختلفة، لتشكل واحدة من أكثر الأماكن سحرا وغموضا في مراكش، حيث تستقطب السياح من جميع أنحاء العالم.
تعرف الحديقة بمبانيها ذات الألوان الزرقاء المميزة والفريدة. تم إنشاؤها على يد الرسام الفرنسي “جاك ماجوريل”، الذي وقع في حب المغرب واختار هذا المكان للاستقرار. حول ماجوريل الحديقة إلى مختبر نباتي يضم مجموعة من أندر النباتات في العالم.
الموقع وساعات العمل
تتواجد حديقة ماجوريل بالقرب من شارع يعقوب المنصور وباب دكالة، تفتح الحديقة أبوابها يوميا من الساعة 8 صباحا حتى 5:30 مساءً خلال الفترة من 1 أكتوبر إلى 30
بداية قصة تشييد حديقة ماجوريل .. جاك ما جوريل
نبذة عن جاك ماجوريل
جاك ماجوريل هو ابن مصمم الأثاث الشهير لويس ماجوريل، ويمتلك العديد من المواهب والاهتمامات، ولكن الرسم كان الأكثر بروزا من بينها. بدأ جاك ببناء حديقة ماجوريل بعد وصوله إلى المغرب في عام 1917، حيث عاش في الدار البيضاء لفترة قصيرة ثم انتقل إلى مدينة مراكش، المدينة الحمراء التي أسرت قلبه بجمالها الفريد.
بداية إنشاء المحمية نباتية ماجوريل
في عام 1923، اشترى ماجوريل قطعة أرض بالقرب من بستان النخيل في مراكش وبدأ في تطويرها وتوسيعها. قام ببناء منزل على الطراز المغربي ومبنى آخر على الطراز الأمازيغي مع برج من الطوب الطويل. ثم كلف المهندس المعماري بول سينيور بتصميم وبناء فيلا قريبة من منزله الأول. استخدم الطابق الأرضي منها كورشة عمل، بينما استغل الطابق العلوي للرسم.
التحول إلى أيقونة فنية
لم يقتصر إبداع ماجوريل على الرسم فقط، بل شمل جمع وزراعة النباتات النادرة والفريدة من نوعها، إذ جلب ماجوريل أكثر من 135 نوعً من النباتات من خمس قارات مختلفة وزرعها على مدار 40 عاما. ضمت الحديقة نباتات مثل الصبار واليوكا والياسمين والنخيل وأشجار جوز الهند وأشجار الموز والخيزران وزنابق الماء الأبيض والعديد من الأنواع الأخرى النادرة.
بهذا التحول، أصبحت فضاءات جاك ماجوريل الخاصة في مراكش جنة طبيعية وأيقونة فنية تحتضن أنواعا من النباتات التي قلما تجدها في مكان آخر، مما جعلها وجهة مميزة للسياح وعشاق الطبيعة والفن.
حديقة ماجوريل وجهة سياحية مميزة في مدينة النخيل
عندما يتعلق الأمر بحديقة ماجوريل، يتبادر إلى الذهن اللون الأزرق الساحر الذي طبع جمالها، فقد قام جاك ماجوريل بطلاء المباني الداخلية في الحديقة بلونٍ مميز يحمل اسم “Majorelle Blue” أو “أزرق ماجوريل”، وهذا اللون أصبح علامة تجارية مميزة للحديقة.
وفقًا لموقع “historyhit” الأمريكي، كانت الحديقة تشكل شغف جاك ماجوريل الوحيد، حيث وصفها بأنها “بالغة الأهمية بالنسبة له”، وأعرب عن استعداده لقضاء سنواته الأخيرة فيها وبذل كل حبه لها.
قرر ماجوريل في عام 1947 فتح الحديقة للجمهور، وذلك لمساعدة نفسه في تكاليف الصيانة، لكن بعد فترة وجيزة تعرض لحادث سيارة خطير أدى إلى بتر ساقه اليسرى واستنزف أمواله، مما اضطره لبيع حصته من الفيلا والحدائق.
حديقة ماجوريل بعد وفاته
بعد وفاة جاك ماجوريل، تركت الحديقة مهملة لمدة 4 سنوات وتعرضت لأعمال الهدم من قبل بعض المقاولين في المدينة ولكن عندما وصلت الأخبار إلى المصمم الفرنسي الشهير إيف سان لوران وشريكه التجاري بيير بيرجي في عام 1966، وقعا في حب الحديقة واكتشفا جمالها الفريد.
في عام 1980، احس كل من سان لوران وبيرجي بخطر فقدان الحديقة وتحولها إلى منتجع سياحي، فاشتروها على الفور وبدآ في ترميمها. قاد سان لوران شخصيا مشروع الترميم، حيث قام بتوسيع الحديقة وتحسينها وتنظيمها، وأضاف أنظمة الري الأوتوماتيكية وزاد عدد أنواع النباتات بشكل كبير.
توفي إيف سان لوران في عام 2008، وفي العام التالي، تناثر رماده في بجانب الورود في حديقة ماجوريل، كما تم تغيير اسم الشارع المقابل للحديقة إلى شارع إيف سان لوران تكريما له، في عام 2010، تم نقل ملكية العقار إلى مؤسسة بيير بيرجي – إيف سان لوران.
أما اليوم، فقد أصبحت الحديقة معرض فني لأزيد من 300 نوع من النباتات العالمية النادرة من خمس قارات، حيث يتناغم الخيزران وأشجار النخيل والصبار وأواني الزهور والنباتات المائية داخلها ببراعة فائقة تثير إعجاب الزوار.
فيلا ماجوريل صممت على الطراز الفرنسي، تتميز بلونها الأزرق، وهي تضم معرض للوحات الفنان المؤسس لها جاك ماجوريل، ومتحف للذاكرة عن التاريخ الأمازيغي، بالإضافة لمتحف عن الفنون الإسلامية. ومنذ عام 2011، أصبحت ضمن نطاق رعاية العلامة الفرنسية “Maisons des Illustres”؛ كما أنها تنتمي إلى مؤسسة ماجوريل جاردن.
إن حديقة ماجوريل مثالا للروعة والإتقان في تشييد الحدائق، وهي نقطة جذب سياحي بامتياز.