تاريخ مدينة فاس ومعالمها الأثرية
فاس العاصمة العلمية للمغرب، و احد العواصم السياحية بالبلد، و اول عاصمة لأول دولة مغربية أسسها المولى إدريس الأول، مدينة زخرت عبر التاريخ ولا تزال بآثارها التاريخية التي تأبى طي النسيان، و شاهدة على من مر من هنا من حضارات طبعت التاريخ المغربي و الإقليمي وحتى العالمي. وحاضرها لا يقل اهمية عن تاريخها، فهي الملاذ الأمثل لمن يرغب في زيارة الثراث المغربي التاريخي، و لمن يريد الترويح عن نفسه بما تهبه المدينة من حدائق وأنشطة ترفيهية ومهرجانات ثقافية و فنية واماكن للزيارة تجعل الزوار يعيشون بين الماضي والحاضر في تناغم قل نظيره في اي مكان اخر. فما هي مدينة فاس من حيث التاريخ، والسلالات الحاكمة التي تعاقبت عليها، والمآثر التاريخية التي تركتها؟ وما هي أهم الوجهات السياحية التاريخية والترفيهية بالمدينة؟
النشأة والتأسيس
فاس عاصمة الدولة الادريسية
تأسست مدينة فاس على يد المولى إدريس الأول عام 789 م، و توسعت في عهد ابنه المولى إدريس الثاني الذي بنى الجزء الآخر من المدينة على الضفة اليسرى من النهر واعتمد فاس عاصمة الدولة الإدريسية. تعاقبت على حكم المدينة الكثير من السلالات الحاكمة بعد سقوط الدولة الإدريسية. فمن الامويين في الاندلس، الى المرابطين والموحدين، والمرينيين الذين شهدت في عهدهم المدينة ازدهارا منقطع النظير وبنوا فاس الجديد، ثم العلويين الذين تركوا بدورهم اثرهم الخلاق في فاس. و في عهد الاستعمار الفرنسي للمغرب، تحول المركز السياسي للبلد من فاس و مراكش إلى مدينة الرباط التي أصبحت عاصمة المملكة المغربية إلى حدود الآن.
عندما شرع المولى ادريس الاول في بناء دولة الادارسة في المغرب، اختار ان يشيد مدينة له ولجنده و ذويه، فبنى مقرا لعسكره على الضفة اليمنى وشيد جامع الأشياخ و جامع الأشراف و أسوار حول المدينة و دار القيطون مقرا لسكناه، وهي الآن مدرجة ضمن ضريح مولاي إدريس التاريخي المشهور.
الهجرات الكبرى
شهدت فاس هجرتين كبيرتين طبعتا التاريخ الديموغرافي للمدينة العلمية إلى اليوم و شكلتا ما عرف من بعد باسم العودتين (عدوتي مدينة فاس) و هما:
- الهجرة التي عرفت قدوم الكثير من العائلات العربية من القيروان بتونس و سكنت في القسم الشرقي للمدينة و سميت بعدوة القرويين او القيروانيين، نسبة الى مدينة القيروان التونسية، اصل هذه العائلات،
- هجرة الاندلسيين هربا من ملاحقة الامراء الأمويين الذين كانوا يحكمون الأندلس، واستقروا بالقسم الغربي لمدينة فاس، و سميت عدوة الأندلسيين نسبة إليهم.
فاس بعد الادارسة
سقطت دولة الادارسة في القرن 10م فانتقلت تبعية فاس الى حكم الامويين بالاندلس، ثم بعدهم الى امراء زناتة، الى ان سيطر عليها يوسف ابن تاشفين عقب انتصار وقيام دولة المرابطين. قام المرابطون بعمل الكثير من الإصلاحات والترميمات همت المساجد والمرافق التي ورثوها في المدينة عن الدولة الادريسية، لكنهم ايضا قاموا بتوحيد المدينة تحت أسوار واحدة بعدما كانت مشكلة من مدينتين هما فاس و العالية في الجهتين الشرقية والغربية.
و لان المرابطين اشتهروا بقنوات الري و جلب المياه الى المدن، فقد قاموا بإدخال تعديلات و تحسينات لنظام الري الخاص بالمدينة، على شاكلة ما قاموا به في مدينة مراكش. وفي عهدهم تمت اضخم عملية ترميم و توسيع لجامع القرويين، كما أقاموا قصبة المرابطين. إلا أن الموحدين بعد الاستيلاء على فاس بعد حصار طويل، قاموا ببناء قصبة بوجلود مكان قصبة المرابطين، وأضاف لها المنصور الموحدي مسجد جديد استمر لحدود الآن هو مسجد بو جلود. كما و أقام الموحدون قصبة جديدة هي الآن ما يعرف بقصبة الانوار او قصبة الفيلالي.
تجمع الكثير من المصادر ان العصر الذهبي لمدينة فاس كان في العهد المريني. خلف المرينيون الموحدين على حكم المغرب، و اعادوا الى فاس مكانتها السياسية كعاصمة لهم بدل مراكش التي أخذت هذا الدور في العهدين المرابطي والموحدي. ففي عهد المرينيين، تم تشييد مدينة جديدة بالكامل هي فاس الجديد باسوار مزدوجة و ضمت كل المرافق السياسية لادارة الدولة المرينية آنذاك، بالإضافة إلى ضمها حي الملاح الخاص بالساكنة اليهودية. و في نفس العهد المريني شيدت أغلب المدارس الاسلامية مثل مدرسة البوعنانية ومدرسة العطارين، بالإضافة الى الحدائق و المنتزهات الترفيهية.
قام العلويون بالاستيلاء على المدينة في القرن السابع عشر، و حافظوا على المكانة الاقتصادية و الاستراتيجية و الروحية لفاس في المغرب الأقصى. و من اثارهم نزل او فندق النجارين، ومدرسة الشراطين، و متحف البطحاء.
أهم الآثار التاريخية في مدينة فاس
لأن المدينة العلمية للمغرب قد شهدت تعاقب أهم السلالات الحاكمة عليها، بين من اعتمدتها عاصمة للدولة وبين من خصت بذلك مدنا اخرى دون المساس بالمكانة العلمية و الروحية لفاس، او دورها الاقتصادي و التجاري، فمن المؤكد أن تخلف تلك الدول المتعاقبة ثراتا معماريا و اثارا بقيت الى اليوم.
مسجد القرويين
مسجد أو جامع القرويين هو صرح تاريخي مشهور في مدينة فاس، تأسس عام 859 م على يد فاطمة الفهرية. شهد بعد فترة التاسيس الاولى أعمال توسيعية كثيرة في عهد أمراء زناتة بعد انتهاء حكم الأدارسة، تم الترميم والتوسعة الكبيرة في عهد المرابطين، و هم من حولوه الى تحفة فنية غاية في الجمال عبر تزيينه بالنقوش و اضافة منبره الذي ظل صامدا الى الان. أما صومعته المربعة الشكل فهي تعود الى مرحلة الأمراء الزناتيين الذين تولوا الأمر كولاة للخلفاء الامويين بالاندلس.
بدأ جامع القرويين وظيفته كمسجد للصلاة و التعبد، لكنه سرعان ما وسع اختصاصاته لتشمل الحلقات الدراسية للطلبة بعد أن حج إليه الكثير من العلماء.
مسجد الأندلسيين
يقال ان هذا المسجد بني على أنقاض مسجد الأنوار، الذي كان اقدم مسجد بالمدينة وبني عام 808م. و مسجد الأندلسيين أنشأته مريم الفهرية، شقيقة فاطمة الفهرية، على الضفة اليمنى لوادي فاس في عدوة الأندلسيين. المسجد من اقدم مساجد المغرب الموروثة عن العهد الادريسي، بني في 859-860م، لكنه شهد ترميم و اصلاح في عهود موالية، و جل معالمه الموجودة الان ترجع الى ولاية محمد الناصر الموحدي. في فترة المرينيين، اضافوا خزان ماء ونافورة الى المسجد، كما عرف اصلاحات اخرى في عهد السلطان المولى اسماعيل العلوي.
فاس البالي
يرجع تاريخ المدينة القديمة او ما يعرف بفاس البالي الى عهد الأدارسة الأول عندما حجت القبائل العربية إلى مدينة فاس من القيروان التونسية ليشكلوا عدوة القرويين. ثم جاء بعض سكان الاندلس المسلمين واليهود الهاربين من حكم الامويين بقرطبة ليؤسسوا عدوة الاندلسيين.
تعود اسوار فاس البالي الى فترة السلطان الموحدي محمد الناصر، غير ان الابواب المعروفة به يعود تاريخها الى الأدارسة و امراء زناتة، مثل باب الكيسة و باب فتوح.
مدرسة العطارين
اسسها السلطان المريني ابو سعيد عثمان في القرن الرابع عشر الميلادي (1323-1325) بالقرب من جامع القرويين. استمدت المدرسة اسمها من سوق العطارين حيث تباع مختلف انواع العطر و التوابل. و المدرسة شاهدة على شموخ فن العمارة و الزخرفة في العهد المريني.
المدرسة البوعنانية
يعود اسم المدرسة الى السلطان المريني ابو عنان عام 1350-1355م، وهي من اشهر المعالم التاريخية لمدينة فاس. كانت تعمل مدرسة لتعليم أصول الفقه و الشريعة الإسلامية بالإضافة إلى النقش و شعب اخرى. بها مسجد للصلاة يحوي صومعة في غاية الروعة و ساعة مائية.
برج الشمال
برج الشمال و يسمى ايضا البرج الشمالي هو برج كانت اهم أدواره هي المراقبة العسكرية و الأمنية لمدينة فاس، اسسه السعديون على غرار القلاع البرتغالية، و كان يستخدم كذلك مخزنا السلاح. كانت تقام بقربه صلاة المسلمين خصوصا في الاعياد. و عندما دخل المستعمر الفرنسي الى المدينة تحول برج الشمال الى سجن لاعتقال الوطنيين.
في عام 1963 بعد استقلال المغرب، تحول برج الشمال الى متحف للاسلحة، و يضم قرابة 5000 قطعة مختلفة.
الأسواق التقليدية الموروثة
تعج مدينة فاس بمراكز شتى للتسوق منها التقليدي و الحديث. و تتمتع الأسواق التقليدية التاريخية بعبق خاص. فهي شكلت دائما جسرا بين الماضي والحاضر، و حافظت على أصالة أمكنتها و منتجاتها و معاملاتها. ولان مدينة فاس كانت مركزا تجاريا يربط بين الشرق والغرب و الجنوب و الشمال،فلا غرو أن تحتضن بين اسوارها أهم الأسواق التقليدية بالمغرب القديم. منتجات النسيج و اللباس التقليدي الفاسي، و وأدوات تقليدية الصنع و محلية التصميم، و توابل و عطور منها ما هو مصنوع محليا او مهاجرا إليها وإلى بقاع اخرى من الارض، منتوجات جلدية رفيعة النقوش والزخرفة بجانب أخواتها من الحلي، كلها متوفرة في أسواق فاس القديمة بالاضافة الى اشياء اخرى.
ومن اهم الاسواق التقليدية التي حافظت على وجودها الى اليوم نجد سوق العطارين وسوق الحنة وسوق النجارين وسوق الحدادين وسوق الشماعين وسوق العشابين، و غيرها كثير.
إقرأ ايضا: الاسواق التقليدية بمدينة فاس