الصناعة التقليدية في مدينة فاس

الصناعة التقليدية في مدينة فاس

عاشت مدينة فاس عبر تاريخها فترات زهو حضاري وعمراني قل نظيره، فتطورت على أثره مختلف مناحي حياة الفاسيين، ونبغوا في شتى المجالات من العلم الى الاقتصاد والسياسة والفن والادب. ومن الطبيعي أن ينتج عن هذا الزخم التاريخي العام نوادر المنتجات التقليدية و فروع فريدة من الصناعة الفاسية. ورثت فاس عن الحضارة المغربية الامازيغية فرادة الابداع الاصيل و دمجته بمهارات القادمين من القيروان والأندلس، لتعطي حلة جديدة هي ما يميز المنتوج المغربي الاصيل الى اليوم.


فاس ليست المعالم التاريخية فحسب، بل و الصناعة التقليدية الفاسية التي تخللتها و برزت في النقوش والزخرفة الخاصة بتلك المآثر. و الى اليوم، لازالت فاس حاضرة الحرف التقليدية ومختلف المنتجات الأصيلة.

الدباغة و الصناعة الجلدية

صناعة الجلود والدباغة في فاس


الصناعة الجلدية مرتبطة بقطاع الدباغة و تتركز أغلب محلات صناعة الجلد التقليدية في فاس العتيقة. ورث هذه الحرفة سكان مدينة فاس عن اليهود الذين قدموا إلى المدينة في القرون الوسطى. و الصناعة الجلدية من أهم مكونات الفن والصناعة التقليدين في المدينة العلمية إلى اليوم، و يساعد في اغناء النسيج الاقتصادي و يضم صناعة الأحذية و الخرازة و مختلف المصنوعات الجلدية الاخرى مثل الحقائب و المحافظ و هو اساس الدباغة.


تتواجد ثلاثة دور الدباغة في مدينة فاس هي دار شوارة و دار سيدي موسى و دار الحنة. و تعد دار شوارة اشهرها على الاطلاق و تقع في فاس البالي قرب مرسة الصفارين و ترجع الى القرن العاشر الميلادي. هي احد اهم الوجهات السياحية المعروفة بالمدينة ولا زالت تعمل في معالجة و صباغة الجلود الى الوقت الحالي.
لدى مدابغ الجلود احواض مائية مليئة بالاصباغ و السوائل ، وتستقبل جلود الماعز والابقار والابل. و تمر عملية تليين و تحضير الجلود بمراحل تستغرق اياما قبل أن تصير جاهزة للتصنيع.
تتفرع عن الصناعة الجلدية التقليدية تخصصات عديدة كالخرازة و صنع الأحذية و الأثاث الجلدي مثل الوسائد والارائك و الألبسة المصنوعة من الجلد و السروج، و النقش على الجلد.


تعرف الجلود الفاسية كاشهر و اجود انواع الجلود و عليها طلب واسع من قبل رواد الموضة و الازياء في العالم و تباع في روما و باريس ايضا. رغم المشاكل التي أصبحت تجابهها من المنافسة الشرسة التي تلقاها من قبل الأزياء الحديثة الصينية والتركية.

النسيج و الملابس التقليدية

النسيج واللباس التقليدي في فاس

يعد قطاع النسيج احد علائم الثقافة و الهوية المحلية لاي شعب، وهو قطاع قديم في مدينة فاس قدم تاريخها نفسه. يضم قطاع صناعة النسيج بالإضافة إلى القسم الحديث منه، الطرز الفاسي و صناعة البروكار و القفطان و الجلباب و الجبادور الطرابيشي و القبعات و أنشطة تقليدية اخرى مرتبطة لصناعة الملابس و الأثاث و تحضيرها كغزل الصوف و صباغته.
و من بين أهم ما عرف على مدينة فاس في الصناعة التقليدية في قطاع النسيج:


الطرز الفاسي: و يعرف ايضا بطرز الغرزة وله تاريخ عريق بالمدينة، احترفته و حافظت عليه النسوة و علمته لبناتها من جيل لآخر. يستخدم الطرز الفاسي في تزيين الألبسة التقليدية و اثاث المنزل مثل المخدات و الأفرشة و الأغطية او المناديل.
صناعة البروكار: جلبه بعض الاندلسيين الى فاس بعد الهجرة اليها و اصبح مكون رئيسي للباس الفاسي. و البروكار نوع من القماش الرفيع تدخل في صناعته خيوط الحرير و الذهب و الفضة و القطن و الصابرة. كان رمزا الجاه على من يرتديه من الرجال. بعد ذلك صار يستعمل الصقلي لتزيينه بدل المعادن النفيسة.
الخياطة التقليدية: كانت ولا زالت مهنة ضرورية لتلبية حاجات سكان المدينة. و تمتاز الخياطة التقليدية في فاس بتنوع منتجاتها مثل الجلباب و القفطان و الألبسة التقليدية الاخرى. وفي الوقت الحالي أصبحت تعاني من حدة المنافسة في الاسواق بفعل دخول المنتجات العصرية.

الزليج التقليدي الفاسي

الزليج الفاسي

يرجع اصل هذه الحرفة الى الاندلس و قد جلبها لفاس المريسكيون عندما استوطنوا المدينة و اماكن اخرى من المغرب. تعتبر حرفة الزليج التقليدي من أعمدة الصناعة التقليدية في فاس و المغرب ، وبفضلها عرفت المساجد و المآثر التاريخية والرياضات تلك الزخرفة الجميلة التي هي عليها اليوم. وقد ازدهرت صناعة الزليج بفاس اكثر في عهد المرينيين، الذين استعملوها في ترميم و زخرفة المباني التاريخية القديمة و المدارس و المساجد التي شيدت في عندهم.


يتميز الزليج الفاسي بالوانه الزاهية الخضراء و الحمراء والزرقاء، وتأتي على شاكلة نجوم و مستطيلات مختلفة الحجم و يتم رصها بطريقة بديعة.

الفخار والخزف

الخزف والفخار الفاسي

تتوفر مدينة فاس على تربة طينية مميزة بالصلاة و الواعية مما جعلها قبلة مثلى لانتعاش الصناعات التقليدية المرتبطة بالطين مثل حرفة الفخار و الخزف. يرجع تاريخ هذه الحرفة الى عصور غابرة، و هيمنت على صناعة ادوات واواني المطبخ لفترات طويلة.


حرفة الفخار و الخزف ليست بالهينة، فهي تتطلب الصبر و المجهود الجبار والابداع. فمن اختبار نوع الطين و تنقيته و تخليصه من الاحجار و الشوائب الى عجنه و ووضعه في الدولاب الخاص بصناعة كل أداة او آنية . يقوم الصانع بتدوير الدولاب برجله و استعمال فرشاة او أداة حادة لجزه كي يستخرج منه الشكل المنشود، بعدها يوضع ليجف تحت أشعة الشمس ثم يدخل الفرن للحرف تحت درجة حرارة عالية. و قد يقوم بزخرفته عبر اضافة نقوش على المنتج. اما اذا اراد ان يستخرج منتج للخزف فيضيف الى ما سبق مرحلة أخرى هي “التزليج” أو وضع المنتج في سائل زجاجي.

النقش على النحاس

النقش على النحاس في فاس


هي واحدة من اعرق و اشهر الصناعات التقليدية في فاس و المغرب، ولا يكاد يخلو اي بيت مغربي من منتجاتها الرئسية. ففي فاس سمي حي بأكمله على منوال صناع الحرفة و هو حي الصفارين، نسبة إلى اللون الأصفر و هو اللون المميز للاواني النحاسية. يستخدم الصناع التقليديون فرشاة معدنية حادة تسمى الماعون ليرسموا اشكال و زخارف زاهية على الاواني بايديهم. و اهم المنتجات التي تخرج الى الوجود من رحم هذه الصناعة التقليدية البراد المغربي و هو اناء الشاي المعروف في كل البيوت المغربية و معه الصينية، الصحن المعدني الدائري الشكل الذي توضع به كؤوس الشاي و البراد. و الصناعة النحاسية و النقش على النحاس هي اهم صناعة تقليدية لتزيين المائدة المغربية و استقبال الضيوف.

النقش على الخشب

النقش على الخشب في فاس


احدى الصناعات التقليدية القديمة، وبقايا الاثار التاريخية لمدينة فاس شاهد لا يفنى عن ازدهار هذه الحرفة التي استلمت مهمة تزيين و زخرفة أركان تلك المآثر ، من سقوف خشبية منقوشة و عليها آيات قرآنية غالبا ما تكون بالخط الكوفي ، و منابر المساجد الأخاذة. مسجد القرويين بفاس و المدارس العتيقة و القصور، كلها نهلت من ابداع النجارين التقليديين الذين برعوا في الصنع و النقش على الخشب بشتى أنواعه، و أهمها خشب العرعار.


ترتبط حرفة النقش على الخشب بالفنون التقليدية الأصيلة للمغرب و التي يختلط فيها الاسلامي العربي و الاندلسي بالتراث الأمازيغي.

هذه فقط بعض فروع الصناعة التقليدية في فاس ، و هناك فروع غيرها، منها من لازال قائما الى اليوم، ومنها من اندثر الى الابد بانتهاء مدة صلاحيته التاريخية ، مثل فن صناعة و اصلاح النواعير، الأسلحة و غيرها. لكن حافظت أغلب الحرف التقليدية على وجودها الى الان رغم التحديات المعاصرة و مزاحمة المنتجات العصرية ذات التقنية الحديثة.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *